الأحد، 26 فبراير 2012

يهوذا يسكب الملح باستمرار


ينظر يهوذا للملح المنسكب أمامه على الطاولة بذهول، ومن عمر اللوحة تعتبر تلك علامة الخيانة.

عن لوحة العشاء الأخير لدافينشي أتحدث، في اللوحة كان يهوذا هو الخائن الوحيد للسيد المسيح، وهو الوحيد الذي انسكب الملح أمامه، ينظر يهوذا أمامه وتشعر عندما تنظر للوحة أنه منفصل تماماً عما يحدث حوله.

يهوذا خائن، ولذلك كان انسكاب الملح أمامه علامة تجعله خائف في اللوحة، يمكنك أن تسمع صوته يصرخ عبر الألوان "أنا خائن..إصلبوني وحرروني من ثقل الذنب"، يهوذا الخائن كان يعرف أنه خان السيد المسيح، ويلعن حتى الآن في كل الأديان، يلعن لأن خطيئة الخيانة أثقل من أن نتسامح معها، ولأن الخيانة الأولى جلبت ألماً لا يطاق للبشرية، فالصلب والتعذيب ليسوا من الرفاهيات لو كنت تعلم ما أعنيه.

يهوذا يتألم، يتعذب في صمته الخائن، لم تكن خيانته نزهة بالدراجة في الهواء الطلق، يهوذا يعرف ما اقترفته يداه، عيناه تفصح عن ذلك بوضوح في اللوحة. يهوذا الخائن يعرف أن الخيانة خطيئة لا يمكن التراجع معها عما قلته، الخيانة تلوث يديه بالكامل، تلوث قلبه، وتلوث كل القادم من عمر البشرية.

لم ينتبه أحد في اللوحة أن الملح انسكب أمامه، وحتى لو لاحظوا، لا يستطيع تحسس الريشة سوى من يحملها على رأسه طوال الوقت، يهوذا فقط هو من يعرف ما اقترفت يداه من ذنوب، يعرف أن السيد المسح لا يستحق خيانته، يعرف أنه ملعون وأن السيف سبق العزل، لن تستطيع وعود الأرض أن تمحو خياناته، وهو يعرف يقيناً أنه لا يستطيع الوفاء بها، الخائن يعرف قدراته، ويعرف أن الملح انسكب ولا جدوى من محاولة إرجاعة مرة أخرى.

في اللوحة لا نلوم باقي حواريين السيد المسيح أنهم لم ينتبهوا إلى انسكاب الملح ونظرة الذنب الفاضحة على وجهه، فيهوذا كان منهم، من منهم يمكنه أن يتهمه بأي خيانة؟ يهوذا أحدهم، يهوذا جزء منهم لا يخون، لم نلمهم لأنهم لم ينتبهوا، هم أنقى من أن يقوموا بتخوين أحدهم. لم نلمهم ونظل نلعن يهوذا حتى يوم الدين.

لم يكتفي يهوذا بخيانة السيد المسيح، ذرع بذرته الخائنة في الأرض، رسالة يحملها الخائنين من بعده، كلهم يسكبون الملح، وكلنا حواريين لا ننتبه، أبناء يهوذا يسكبون الملح باستمرار وينظرون لنا أن نعاقبهم، يتوسلون أن نسامح، يخونون حتى تمل منهم الخيانة ويستسمحون حتى يسأمهم التوسل. أبناء يهوذا الخائنين يلعقون الملح ويعطشون باستمرار لمسيح آخر يصلب ويفرون هم ملعونين حتى أبد الدهر.

يهوذا وبذرته يحملون الخطيئة بداخلهم، ويحملون الملح يسكبونه أمامنا طلباً للصلب كي يتطهرون، لا يعرفون أن يهوذا ترك ليتعذب ويلعن حتى آخر الدهر، وأننا لن نلتفت لتوسلات الصلب، فلنتركهم يلعقون الملح حتى آخر حدود اللعن.

أبناء يهوذا المساكين، أيها الملعونون في كل الأزمان، لا تسامح مع الخيانة، ذلك هو العشاء الأخير، اسكبوا الملح أو العقوه، أصلبوا أنفسكم على أعمدة الضمير، إستغفروا الله لخطاياكم وتوبوا حتى.

نحن لا نتمنى لكم سوى أن تتعفنوا في الجحيم.


............إنجي إبراهيم...........

الأربعاء، 15 فبراير 2012

فتاة القطن


منذ الطعنة لم يتغير أي شيء..ربما بكت أياماً..ربما هزلت ونقص وزنها..ربما ظلت متيقظة تحاصرها كوابيس صعبة بضع ليالي..كلها أشياء لا يمكن ملاحظتها..فلم يتغير أي شيء.

فقط شيئان كان المقربون يلاحظوهما..أنها أدمنت شراء القطن..وأنها لم تعد تحتضن أحداً في سلامها على الآخرين

.......................................

تجلس بينهم..تضحك عندما يلقي أحدهم دعابة..تأكل من كل الطعام الموضوع على الطاولة ..وتلقي بآراء حارقة تجعل الجالسين يضجون بالضحك..تعلق على كل شيء وتبتسم أحياناً..ثم تنسحب وتخبرهم أنها في حاجة للذهاب إلى التواليت

.......................................

فقط شيئان كان المقربون يلاحظوهما..أنها أدمنت شراء القطن..وأنها لم تعد تحتضن أحداً في سلامها على الآخرين

..........................................

صديقتها المقربة لاحظت..تتابعها بنظرها طوال الجلسة..تعرف أنها تداري شيئاً ما..تنظر لها متسائلة عبر الطاولة..فترتد نظراتها مطمئنة إياها أنها بخير..فقط عندما تسحب حقيبتها المليئة بالقطن وتغادرهم تتهرب من نظرات صديقتها ولا تجيب بأي شيء.

تغادرهم ورائها للتواليت..تنظر لها في المرآة وتسألها لماذا لا تبكي؟؟ ولماذا كفت عن أن تلقي بنفسها في حضنها وتنشج..تنظر لها فى المرآة وتخبرها أن لا شىء هنالك..فقط هي مرهقة مما حدث.

تتكلم صديقتها كثيراً عن أن تلك الطعنة سوف تقويها..وأن الله نجاها مما هو أشد..وأن قلبها سوف يتعافى..وأن كل شيء بقضاء..تكلمت كثيراً جداً حتى ملت الكلام وذهبت.

............................................

فقط شيئان كان المقربون يلاحظوهما..أنها أدمنت شراء القطن..وأنها لم تعد تحتضن أحداً في سلامها على الآخرين

............................................

مرات أخرى كثيرة..ترافقها صديقتها لأماكن جديدة..تراقبها وهي تأكل وتضحك ثم تنسحب بحقيبة القطن لمكان قصي..ناشدتها كثيراً أن تحكي.أن تزيح ما يثقل كاهلها..ناشدتها أن تسب من طعنها في القلب..أخبرتها أن هناك طاقة غضب لابد من تفجيرها تماماً..ناشدتها كثيراً أن تعود وتحتضنها

وفي كل مرة..كان يمل منها الكلام..وتنسحب من أمامها محتضنة حقيبتها الملآى بالقطن وتغلق أحد الأبواب.

.............................................

دعتها صديقتها لتبيت في منزلها يومان..أخبرتها أن ذلك مفيد جداً لها..ربما تنحل عقدة لسانها في الليل والأنوار مطفأة كما اعتادوا دوماً..رجتها كثيراً أن تقبل الدعوة و وعدتها أنها لن تحدثها في أمر طعنة القلب إلا إذا تحدثت هي..ولن تجبرها أن تحتضنها وتبكي..وعدتها أنها سوف تتركها لآخر حدود الراحة..وكما تريد تماماً.

............................................


فقط شيئان كان المقربون يلاحظوهما..أنها أدمنت شراء القطن..وأنها لم تعد تحتضن أحداً في سلامها على الآخرين

.............................................

قبل النوم..وبعدما جهزت صديقتها لها الفراش..طلبت منها أن تخلي الغرفة دقائق لأمر ما..تعجبت صديقتها من الطلب..طوال سنوات معرفتهن كن يستبدلن ملابسهن بحرية..ما الجديد في الأمر إذن؟؟

وافقت على مضض..وإن أشارت لغرابة الطلب ولم تتلق سوى هروب العينان من التساؤل.

خرجت من الغرفة ووقفت خلف الباب تسترق السمع..نهنهات خافتة تصدر منها وصوت يتألم بشدة.

اختلست النظر من وراء الباب.

الآن فقط فهمت لماذا أدمنت صديقتها شراء القطن..ولماذا كفت عن احتضان البشر..كانت طعنة القلب تنزف باستمرار..وكان القطن يخفي كل الوجع النازف..وكان صدرها لا يحتمل حضن الألم أكثر.



.......إنجي إبراهيم.........


الإهداء: لها هي..صديقة ليلات الحكي الخافت والنزف الذي يقطر وجعاً وفرح

الأحد، 12 فبراير 2012

دوائر


حسناً، أنا محبطة.

حقيقية رائعة عندما تكتشفها للمرة الأولى، أنا محبطة ولا أرى أي شيء في أي اتجاه، محبطة وأتظاهر بأنني لا أكتئب وأبتاع ملابس وبرفانات وأغير لفة الطرحة.

ولكنني لا أستطيع أن أضحك.

لا أسامحه، ذلك الذي جاء ليعكر كل شيء وتركني أتخذ قراراً ضرورياً بالنجاة بحياتي وسمعتي منه، لا أسامحه ولا أعتقد أنني سأفعل. فقط ما يشغل ذهني حقاً هو، كيف يمكن لكل هذا الشر أن يتواجد في محيط الكرة الأرضية؟؟؟ وكيف خاب قانون "يحدث للآخرين" الذي أتبناه في كل مصائبي؟؟ والسؤال الأهم على الإطلاق

لماذا لا يموت أولاد الوسخة؟؟

نعود لموضوعنا الأصلي، أنا محبطة. حقاً أنا محبطة للغاية وخائفة جداً، لم أتعود على كل ذلك الضباب الذي يحيط بي مؤخراً، دائماً كان هناك قبساً من النور يمنحه الله لي كي لا أجزع.

أين ذلك القبس الآن؟؟

ترعبني فكرة أن الله غاضب علي، وأنني كففت عن أن أكون طفلته المدللة التي "بيسترها معاها" أيما كانت الظروف، مرعوبة من فكرة أن كل ذلك عقاب، أو أنه مؤشرات لتهذيبي تقتضي أن يرحل قبس النور تماماً وللأبد.

رغم كل شيء، الله يمنحني أشياء حلوة، فقط لو أتأكد أنه ليس غاضب. فقط لو أتأكد أنها سحابة كما تقول الجملة العتيقة التي يواسون بها من تتوحل أقدامهم في طين المصائب.

فقط لو أتأكد يا رب.

ماذا كنا نقول؟؟ آه كنت أقول أنني محبطة، وأنني أوزع الطاقة السلبية بلا مقابل، وأنني كففت عن الضحك، وأنني لا أسامحه، وأنني أتسائل بعنف وإصرار

هل ذلك غضب يا الله؟؟

أنا محبطة جداً ولا أريد أن أعلق هنا، ربما مشكلتي باختصار هي عشقي لتلك الحياة الحقيرة بكل تفاصيلها، لذلك أحارب كي تصبح حياتي أحلى، ولذلك لا أقبل الهزائم، ولذلك أشعر الآن بالإحباط الجسيم لأن حياتي ليست على ما يرام، ولذلك أنا محبطة، وهكذا دائرة جهنمية لا أستطيع حتى التفكير في طريقة عبقرية للفرار منها.

المشكلة الحقيقية أنني - حقاً- لا أريد أن أعلق هنا، لا أريد أن أستمر في تلك الحالة البين بين، أكرهها ولا أريدها بحال.

باختصار أنا محبطة لأنني محبطة.

ليس لتلك النوت أي هدف سوى أن أفرغ طاقة الغضب داخلي وأن أرغي وأزبد فيما لا يفيد، وأن أتمنى منكم فقط أن تدعوا لله ألا يكون ذلك غضباً منه علي.


......إنجي إبراهيم........