الجمعة، 27 أبريل 2012

ذاكرة دفوف الألم



"ترقص، بثوبها الأبيض الفضفاض تعتلي المسرح وتدور"

لا شيء يهم، لا تتذكر اللحظة قبل اعتلائها المسرح، هي فقط هنا والآن، تتخفف، تدق الدفوف على إيقاع قلبها اللاهث، تنتشي، تدور وتدور وتدور.

"تتركز الإضاءة عليها، تكثر لفاتها في الدقيقة الواحدة، يرتج عقلها داخل رأسها وتسقط الأحمال تباعاً"

همومها لا تتذكرها، فقط هي تعرف أنها أكثر من أن تحتمل، تعرف أنها تثقلها وتزن أطناناً فوق القلب، عقلها يهاب أن يستوعب ما يحدث، هو أكبر من أن تعقله، تترك كل ذلك خلفها وتستمع للدفوف.


"رقص صوفي، تنورة، لا تهم الأسماء، فقط على ذلك المسرح هي خفيفة، كم وزنها دون المسرح؟؟ لابد أنه يتخطى حاجز المائة، وكم وزنها وهي ترقص؟؟ لا تتعدى الريشة"

لا تستطيع أن تتذكر الأسماء، من هم من جرحوها؟؟ ما إسمها؟؟ أين تعيش؟؟ كل ذلك يختفي تحت وطأة الدفوف، فلتتحرر من سطوة الألم الآن، ولتعد لكل ذكرياتها الغبية بعد أن تنتهي من الرقص، هنا هي بلا ماضي، بلا وجع، بلا مستقبل، فقط حاضر طويل ذو إيقاع حزين، ترقص هي عليه، كأنها تدوس الألم بأقدامها الخفيفة، وتشيع موات الروح بدق الدفوف.

"ترقص، يخف وزنها أكثر، ربما تستطيع الطيران الآن، والإضاءة مع ثوبها الأبيض يجعلانها مشعة تماماً"

لا ترى الجمهور، هي لا ترقص لهم في الأساس، وللحق، هي لا ترقص تصوفاً أيضاً، فقط هذا هو منفذها للهواء، لا ترى جمهوراً ولا يهمها أن تراه، لا تلتفت لأحد، ولا حتى لضاربي الدفوف، ترقص وفقط، وتتمنى أن تطول اللحظة ولا تعود لألمها الضارب في عمق الروح.

" تسرع الدفوف، ومعها دقات أقدامها على الأرض، تتحرر تماماً وتسطع الإضاءة وتتحول هي لحزمة نور تبهر عيون الحاضرين، ثم تختفي"


.........إنجي إبراهيم.........




الأحد، 22 أبريل 2012

مساحات بيضاء آمنة

"تجفف جسدها بالفوطة البيضاء الكبيرة"


 طفلة تعدت العاشرة بالكاد، تدخل المحل وهي تتبختر بالصندل الجديد، تتباهى أنه يدق في الأرض الرخامية لأنه بكعب. تشب حتى تصل للبائع الواقف خلف الكاونتر، تخبره أنها تريد زجاجة زيت كبيرة الحجم، يبتسم لها، يدور حول الكاونتر ويخبرها أنه سوف يحضر زجاجة جميلة لأنها جميلة، يناولها الزجاجة ويبتسم، تستدير ويمد يده يتلمس جسدها من الخلف، تنظر له بفزع، يبتسم ويشير لها بعلامة لا تفهمها.


 "تجفف جسدها بالفوطة البيضاء الكبيرة، تخرج من الحمام وتستعد لفرد الملاءة البيضاء على سريرها الضيق"


 مراهقة تخطت الخامسة عشر قليلاً، تحتضن الكتب في طريقها لدرس اللغة العربية، تمد يديها كثيراً لطرف بلوزتها لتشدها حتى لا تكشف جسدها من الخلف، تفكر في "مستر أيمن" ذو النطق العربي الساحر، تفكر أنه كبير جداً ومتزوج، تفكر في أنها تتعذب في حبه وحدها، تفكر أنها أنهت واجبها المنزلي كله حتى تبهره، تفكر في أنها صمدت اليوم في حمام المدرسة حتى انتهت مريم من عمل "الفتلة" حتى يختفي الشارب من فوق شفتها العليا، تفكر أنها لابد أن تتذكر أن تزيل الماكياج قبل أن تعود للمنزل.


 تصل قبل باقي زميلاتها، تجلس أمام "مستر أيمن" ويسألها عن الواجب، تعطي له الدفتر فيتصفحه ويخبرها أنها طالبته المفضلة، يقترب منها ويبتسم، يضع يده على كتفها ويسألها عن معنى كلمة " نهد "، تنظر له بفزع فيشير لها إشارة لا تفهم معناها.


 " تجفف جسدها بالفوطة البيضاء الكبيرة، تخرج من الحمام وتستعد لفرد الملاءة البيضاء على فراشها الضيق، تجلس على الفراش وتمدد قدميها"


 شابة تخطت الثلاثة وعشرون عاماً بقليل، تستقل نفس القطار يومياً لتصل لعملها البعيد، لا تجد مكاناً كالعادة فتقف بجوار الباب، يقترب القطار من المحطة ويقترب الركاب بدورهم من الباب، يتوقف القطار ويبدأ الناس في النزول، يقترب أحدهم من الباب وحتك بها قائلاً شيئاً ما همساً عن الليالي الحمراء ويضع يده على جسدها، تنظر له بفزع ويبتعد هو ناحية الباب ويشير لها إشارة لا تفهم معناها.


تجفف جسدها بالفوطة البيضاء الكبيرة، تخرج من الحمام وتستعد لفرد الملاءة البيضاء على فراشها الضيق، تجلس على الفراش وتمدد قدميها، وتفكر أن هذا هو المكان الوحيد الآمن.


 .........إنجي إبراهيم............


 النص مشاركة ضمن يوم التدوين ضد التحرش الجنسي.

الجمعة، 6 أبريل 2012

أزرق ملكي وتوت وثوب مرصع


في عالم آخر – غير هذا القبيح الذي أعلق به – للملوك دم أزرق حقيقي.

يقولون أن الملوك كانوا يسمونهم ذوي الدم الأزرق لأسباب علمية بحتة، كعدم تعرضهم الكافي للشمس وشحوب البشرة ورقة جلودهم، حسناً، الحق أقول لكم، أنا أتعرض للشمس بمعدلات انتحارية ومع ذلك – والسر الذي لا يعرفه الكثيرون – أن دمي أزرق.

تلك العروق النافرة عند الرسغ، محددة تماماً، يمكنني أن أرسم مسار الدم الأزرق في جسدي، نعم دمي أزرق، فقط عندما أجرح نفسي يتحول للأحمر حتى لا يظن الآخرون أنني فضائية. أنا متأكدة أن دمي أزرق، بل هو أزرق بالفعل، ويمكنني أن أكشف رسغي لك لأثبت كلماتي.

في عالم آخر – غير هذا القبيح الذي أعلق به – يأتون بالتوت من الحواديت.

يقولون أن شجر التوت يلزم له درجات حرارة معينة، وله مواسم، تفترش الفلاحات الأرض ويبيعون التوت للعابرين، حسناً، الحق أقول لكم، التوت أمره سهل، أنا يمكنني أن أتسلل للحواديت، أقطف التوت وأصنع كيك الجبن بالحبات الزرقاء المائلة للأحمر.

التوت يأتي من الحواديت، تقطفه فتيات حسناوات من على شجر أخضر مزهر، يضعونه على أشجارنا على سبيل المجاملة، وهؤلاء الفلاحات اللاتي يفترشن الأرض، هن في الأصل ساحرات متواطئات مع فتيات التوت.

أنا أعرف أن التوت يأتي من الحواديت، ويمكنني أن أحلم لآتي ببعضاً منه لأثبت لك كلماتي.

في عالم آخر – غير هذا القبيح الذي أعلق به – ترتدي السماء ثوباً أزرق وتسطع ليلاً لتغير منها الفتيات.

يقولون أن السماء زرقاء لأن هذا هو انعكاس لون الماء والكثير من هذا الهراء العلمي، حسناً، الحق أقول لكم، السماء فتاة فاتنة، تحب ارتداء فساتين زرقاء مرصعة بالألماس، نفاها والداها بعيداً حتى لا تتزوج ممن أحبها، ويومياً تسطع لتثير غيرة فتيات الأرض اللاتي لا يمتلكن سحرها وبهاء ثوبها.

السماء، تلك البعيدة المريحة، الواسعة الجميلة، كانت مثلنا يوماً، ومنذ أن نفاها والداها، تقضي النهار مختبئة تبكي حبيبها، وتخرج في الليل مرتدية ثوبها الأزرق الماسي، يبرد قلبها قليلاً عندما ترى الانبهار في عيون فتيات الأرض، تستعرض ألماس ثوبها الفضفاض، يعلق بلمعان الألماس أمنيات فتيات الأرض، ترضى قليلاً ثم تنام.

أنا أعرف أن السماء فتاة فاتنة حرمت من حبيبها، ترتدي ثوباً أزرق مرصع بالألماس، ويمكنني أن أظل ساهرة طوال الليل أنتظرها كي أثبت لك كلماتي.

أنا فتاة مجنونة قليلاً، حالمة جداً، دمها أزرق، تأكل توت الحواديت، وتناجي السماء ليلاً.

أنا أحب اللون الأزرق.


........إنجي إبراهيم........


النص ضمن حدث "ألوان..حدث الكتابة" على فيس بوك والذي شرفت بدعوتي له من شيماء علي مبتكرة الحدث والداعية له

تجدون الإيفينت على الرابط التالي

http://www.facebook.com/events/390927250926504/

الاثنين، 2 أبريل 2012

إحجام


تجلس على المكتب المقابل له، ترتدي تنورة واسعة ذات ألوان فاتحة، وحذاء أسود ذو كعب عال وبلوزة أنيقة محبوكة على صدرها، تمد إبهامها في كوب القهوة وتلمس سطحه، تلعق البن الذي علق بإصبعها وتبتسم في دلال وتنظر له.

اليوم لن يستطيع أن يبوح لها، يعرف أنها غريبة الأطوار قليلاً، ربما معقدة أيضاً، تخيفه أحياناً وأحيان أخرى يود لو ربت على رأسها واشترى لها بسكويتاً وأهداها لعبة.

هو يحبها بالتأكيد، أو ربما يود امتلاك هذاالكائن الخرافي الذي يتحول، لا يعرف بالضبط، فقط يعرف جيداً أن اليوم ليس مناسباً لمفاتحتها في الأمر.

...........................................

تجلس على المكتب المقابل له، ترتدي جينزاً أزرق وبلوزة طويلة قليلاً، تتحدث بالهاتف وتضحك كثيراً، اليوم يمكنه أن يفاتحها بالأمر.

سوف يقول لها أنها ساحرة، وأن تلك الصحيفة التي يعملون بها لا تليق بقدراتها، وأن قصتها الأخيرة كانت موفقة جداً.

سوف يخبرها أنه يحب لفتها للطرحة، وبالأخص إيشاربها الحرير الأزرق، وأنه يفتقد البادي السكري الذي ترتديه تحت الفستان البني الذي يكرهه.

سوف يخبرها أنها ترسم رسمات سيئة جداً، وأن صوتها في الغناء بشعاً وأنه يريدها أن ترسم له لوحة وتغني له وهي تهديه إياها.

وسوف يخبرها أنه - قطعاً - يحبها.

..................................

يجلسان معاً على طاولة صغيرة، تحدثه عن خوفها من الزمن، عن أنها تتخيله - الزمن - رجلاً أشعث يطاردها ماداً يديه أمامه، تتسع عيناها وتهتف "مش عارفة لو مسكني هيعمل فيا إيه"، تنظر لكوب النسكافيه أمامها وتحدثه عن روعة الكافايين، وأن الأطباء حمقى لأنهم لا يضعونه في زجاجات المحاليل، ينفصل عقله عنها تماماً ويتسائل لماذا لا يمكنها أن تكون طبيعية؟؟

لماذا يحب تلك الفتاة التي تمتلىء بالهواجس والظنون وتطاردها الكوابيس ليلاً وتتشاجر مع سائقي التاكسي؟؟ يتسائل فجأة هل يحبها حقاً؟؟ هل سوف يكون سعيد معها عندما يتشاجران ثم تصالحه بقصة قصيرة تنشرها على صفحتها على فيس بوك بدلاً من أن تصنع له وجبة دسمة؟؟

تسيطر عليه الهواجس تماماً، ثم ينظر إليها ليجدها تقول "عايزة اكتب قصة بطلتها عاهرة بتخلص شغل بدري عشان صلاة العشا متفوتهاش"، يبتسم ويخبرها أن العاهرات أيضاً لديهن قلوب وأن تلك القصة غير مستحيلة تماماً، يحبها عندما تتحمس، ويحبها عندما تفقد اهتمامها تماماً بالأشياء.
..................................

تجلس على المكتب المقابل لمكتبه، أمامها كوب شاي والكثير من الأوراق، تتحدث بالهاتف وترجع رأسها للوراء في عصبية وهي تضغط على الحروف، تزيح بيدها الإيشارب الأزرق للوراء وتكمل حديثها بالهاتف.

يتحرك من على مكتبه نحوها، ينتظرها حتى تنهي حديثها، يرتب في ذهنه ما سيقوله لها تلك المرة، الآن لابد أن يفاتحها.

تنهي المكالمة وتنظر له في عصبية وتخبره أن جميعهم ولاد كلب، يأخذ نفساً عميقاً ثم يخبرها أن "المقال بتاعك نزل على الموقع..إبقي ادخلي بصي عليه عشان الديسك مبهدله" ويستدير ويتنفس الصعداء.



........إنجي إبراهيم.........