الثلاثاء، 28 مايو 2013

إلى سارة..عن فريدا / أو إجابات متأخرة بعض الشيء



أقلب في الصور على حسابي الشخصي على Face book على سبيل تزجية الوقت وإمعاناً في الشعور بالملل، أجد إحدى لوحات فريدا كالو ضمن صور الCover photo، لم أنس وجود الصورة، فقد استخدمتها لوقت طويل وكنت أعود لها بين الوقت والآخر فأنا أشعر بالونس عندما أنظر لتلك الصورة التي تشبهني إلى حد مفزع.

أقرأ التعليقات عليها، أجد سؤالاً من صديقتي سارة "Why do u love Frida?" وأجدني لم أنتبه للسؤال ولم أجاوبها عليه حينها، هي بالتأكيد نسيت أنها سألتني، وبالتأكيد لم تعد تنتظر إجابات، ولكن السؤال سحبني إلى هنا مباشرة كي أبدأ في وصلة رقص مع مفاتيح الكيبورد وأكتب ثرثرة لا تهم أحداً سواي.

أحب فريدا لأنها كل ما لم أستطع أن أكونه يا سارة، أحبها لأنها نجحت في الفوز في سباق عدو الحياة، الذي أسير فيه وأتعثر كثيراً وأجري بسرعة في مرات أخرى، أحب فريدا لأن خطواتها أكثر ثقة من خطواتي المرتبكة.

أحب فريدا لأنها أحبت نفسها كما أحاول أنا أن أحب نفسي، حاجبيها الكثيفين، شعرها الطويل الذي لم تهذبه، شعرها القصير الذي قصته كالرجال يوماً ما، تحب نفسها جداً، وأنا قد جاهدت كثيراً كي أحب نفسي كما أنا، نجحت أخيراً، لا أتذكر منذ متى وأنا أحب إنجي كما هي، ولكن الموضوع لدى فريدا يختلف، هي لم تحاول أصلاً، فريدا تحب نفسها منذ الأبد يا سارة، فريدا أكثر اطمئناناً مني.

أحب فريدا لأنها جريئة، أحبت رجلاً يخونها كل بضع دقائق، لم تجلد نفسها لأنها أساءت الاختيار، بل سامحته عندما عاد، تقبلته كما هو وكفت عن محاولات تغييره، وعندما انشغل عنها انغمست في علاقات جسدية مع نساء أخريات، كانت فريدا مجنونة، تحب رجلاً بكل قوتها، وفي نفس الوقت تقيم علاقات نسائية بكل قوتها أيضاً.

فريدا أجرأ مني يا سارة، أنا لم أكف لحظة عن لعن اختياراتي الخاطئة وجلد ذاتي على كل أخطائي، أحبها لأنها سامحتني عندما لم أسامح نفسي، فريدا اختارت حلولاً غير منطقية لتخرج من الأزمة، أنا أبحث عن حلول عملية جداً كي أدفن ذكريات خيباتي.

أحب فريدا لأنها تجيد الرسم، كانت أمنيتي أن أجيد الرسم يا سارة، أنت تعرفين أنني أقوم بالشخبطة بالألوان في كراسات الكانسون فقط كي أتشبه بمن يرسمون، أرسم أشكالاً مضحكة، خطوط ساذجة ووجوه بدائية، ربما فراشات أو ورود، فقط لمسي للأوراق والأقلام يجعلني سعيدة، أحبها لأنها تجيد الرسم.

أنا أجيد الكتابة يا سارة، أحبها، تنتشلني كما يتنشل الرسم فريدا، لهذا أحبها، ربما هذا هو الرابط الوحيد بيني وبينها، كلتانا تخلق عوالم موازية وتدخلها بإرادتها دون ضغوط من أحد.

أحب فريدا لأن حبيبها أحبها، بعد كل الخيانات والخذلان وانغماس كل منهما في حياة لا تشبهه، تمسك بيدها حتى يخفت الألم الضارب في عظامها، كان يدعمها، كان يتواجد بدلاً منها، كان يحكي لها ما يدور في العالم كي تضحك، يتحمل صراخها من الألم ويجبرها على الاستلقاء على ظهرها المعطوب في الفراش ويقيم معرضها بدلاً منها.

أحب فريدا لأنها حصلت على الحياة التي كنت أريدها، الدعم والظهر القوي والرجل الذي تحملته في أسوأ حالاته كان ملاكاً معها، لم يضيع تعبها هدراً يا سارة، أحبها لأنها انتصرت لي.

تتجلى روح فريدا في تلك اللوحة يا سارة، فريدا ساعدت نفسها كي تكون فريدا، في اللوحة تمسك بيد نفسها، ترى الوضع من الخارج، فريدا تؤازر فريدا. هل تتذكرين الليلة التي أخبرتك فيها أننا يجب أن نكتمل وحدنا؟؟ فريدا اكتملت وحدها، ولذلك أصبحت فريدا كالو، أيقونة الفن المكسيكي، لذلك - ولذلك فقط - سامحت نفسها وسامحت الآخرين، فريدا مكتملة يا سارة، فريدة تحقق Score خيالي في طموحاتي الشخصية، كيف لا أحبها وهي على الدرب؟؟

سارة، أنا أحب فريدا لأنها تدعمني، ربما أصل يوماً ما، ربما بعد كل هذا اللهاث المضني أموت وأنا راضية عن ماراثون حياتي.

أحب فريدا لأنني، لأنني............

أحب فريدا بلا سبب منطقي يا سارة، أحب فريدا بلا سبب منطقي.


.........إنجي إبراهيم..........

ملحوظة: النص إهداء إلى سارة صابر، صديقتي صاحبة أكبر تشكيلة صراصير دماغ تفوق مجموعتي جمالاً، وجناناً.

ملحوظة أخرى: بطلة النص هي الرسامة المكسيكية فريدا كالو، يكفي أن تكتب إسمها على ويكيبيديا حتى تنبهر، أو ترى الفيلم الذي يحمل إسمها "Frida " وتتذكرني وتبتسم.

السبت، 18 مايو 2013

إترك هالأسى




"لعل وعسى..إترك هالأسى"

تأمل معي الصورة، فيروز هنا هشة جداً، بنية جسدها ضعيفة، لا تحتل حيزاً كبيراً من الفراغ، يمتد كفاها أمامها في قلة حيلة، تمسكهم ببعضهم في محاولة لشد أذر نفسها، رأسها ينحني للأسفل قليلاً، فقط قليلاً جداً في محاولة منها للتركيز، وليس ندماً ولا خجلاً من شيء.

الخلفية السوداء، وكأن الكون كله فارغ إلا منها وهي تحاول أن تتملص من الأسى، تقف وحيدة في الفضاء الأسود الفارغ الموحش، الفضاء الآثيري للجملة.

"لعل وعسى..إترك هالأسى"

كل محاولة لترك الأسى تحفر متراً آخر في نفق التحرر، عندما تتركين الأسى تماماً سوف تكونين أتممت حفر النفق بالكامل، يمكنك وقتها أن تخرجين للشمس ولن يكون الفراغ أسوداً كالصورة، سوف ترفعين رأسك وتكفين عن التركيز، وسوف تفردين كفيك المعقودتين وتعانقين بهما الهواء.

"لعل وعسى..إترك هالأسى"

نظفي أدراجك من بقايا الشيطان، المخالب والأظافر المتسخة، والأنفاس الكريهة، إلقي بكل ما تركه لك في القمامة رأساً، مزقي الكتب الغبية التي أهداك إياها يوماً، خاصة تلك المذيلة بإهداءات كاذبة، أفرطي السبحة الكريستال حتى لا تسبحي بها يوماً فيذهب ثواب التسبيح إليه، أصلاً حتى لو ذهب الثواب إليه لن يفيده، فالشيطان لا يمكنه أن يدخل الجنة.

"لعل وعسى، إترك هالأسى"

إستنزفي طاقات الحزن، قفي وحدك في الفراغ الموحش واستجدي الله أن يذهب الأسى، إدعيه، تعرفين أنت ما منحك إياه هذا الرب الكريم، لن يبخل عليك إذن بذهاب الأسى، قفي بجانب فيروز مرة أخرى بعد، فلتملأي كادر الصورة الداكن، ولتسحبيها خارجاً.

وأنا هنا سوف أدعو الله من أجلك، لعل وعسى، تتركين هالأسى.


.........إنجي إبراهيم...........

ملحوظة: التدوينة إهداء للزميل محمد السيد، صاحب الصورة على فيس بوك 

الأربعاء، 8 مايو 2013

مادام عايشين



"وبلاش نستسلم يوم للحزن مادام عايشين"

ينطقها منير في أغنية بحر الحياة، ويتركني أفكر في نبرته، في سياق الجملة، أفكر أنها تعني بالأساس أن نستسلم لكوننا "عايشين"، تلك المصيبة الأكبر فلنفكر في حلول لها، أو على الأقل لا نجعل الواقع أكثر بؤساً بالحزن، يكفينا أننا عايشين.

كنت أحدث صديق لي عن أنه لا هدف لي هذه الأيام، لا يوجد شيء ما أنتظره، حدث أحلم به، منعطف أفكر كيف أمشيه، لا شيء على الإطلاق، فقط واقع طويل، حاضر أبدي، لطيف في معظم الأحيان، وممتع في بعضها، ومؤلم على طول الخط، أخبرني أنه هو الآخر لا يحلم بشيء ما، وأن حالي يشبه حاله، ومنحني كوب قهوة عبقري وابتسامة بريئة.

"وبلاش نستسلم يوم للحزن مادام عايشين"

أمشي في الشوارع وأدقق في الأماكن التي حملت ذكريات ما، لدي فكرة مجنونة عن أنني أترك جزء من قلبي في كل الأماكن التي أحببتها، أتخيل أنني إذا دققت النظر، سوف أرى المشهد يتم إعادته بالكامل، أنظر لرصيف ديليس في محطة الرمل حيث انتظرت أحد رفاق الروح بعد غياب طويل، أدقق النظر وأتخيل أنني سوف أراني وأراه ويتكرر المشهد أمامي مرة أخرى، أنظر لرصيف سان ستيفانو وأتخيل أنني سوف أراني وأنا أسلم على كريم وأنتظر أن يريني الفستان الذي اشتراه لابنته، أتخيل أنني لو ذهبت إلى كل الأماكن التي تحمل أحداث لها معي ذكرى سوف أرى المشاهد تتكرر.

أفرح عندما يجددون مقهى إيليت، وينسفون الجزء الذي يحمل ذكرياتي مع الشيطان، أتوجس عندما يجددون تريانون محطة الرمل، أتسائل هل يحتفظون بالطاولة التي شهدت مفاوضات بيع روحي للشرير؟؟ هكذا إذا دخلت تلك الأماكن لن أتلفت حولي، لن تسيطر علي فكرة أن أبحث عني هناك، أو أن تتكرر المشاهد.

"وبلاش نستسلم يوم للحزن مادام عايشين"

أنتظر خطابات صديقتي البعيدة، أشتري الطوابع وأضع أجزاء من قلبي في الخطابات، نتباحث في مدى كفاءة خدمة البريد في عام 2013، أبعث لها بخطاب فيضيع ولا يصل لها ولا يعود لي، أبعث لها بعنواني في رسالة على فيس بوك، لو رأى أحدهم مناقشاتنا في أمر الخطابات لاستصدر أمر حبس لنا في مستشفى المجانين.

أجرب فأبعث بخطاب لأحد رفاق الروح، يعود لي الخطاب، لا يصل إليه، أمع نفسي من البكاء وأمزق الخطاب ألف قطعة وألعن كل موظفي البريد حول العالم، تقترح علي صديقتي المفضلة أن أبعث الخطاب مسجلاً حتى يصل، نتناقش جدياً في الأمر، وأجلس لأنتظر خطاباتي التي سوف تجعل الحياة محتملة.

"وبلاش نستسلم يوم للحزن مادام عايشين"

هل يكفي أن أحلم بشراء المشاية الرياضية أو يحلم صديقي أن يفقد الوزن أو تحلم صديقتي بتسديد قسط الجامعة للحياة؟؟ هل يكفي هذا أن يكون الثمن الذي ندفعه للحزن حتى يتركنا فقط "عايشين"؟؟


........إنجي إبراهيم.........