هى تحبه هو بالذات..لقد اختارت ابعد شخص من الممكن أن يشعر بها..اختارته ببساطة لانه لا يدرك وجودها على كوكب الارض..
اشبعت رغبتها فى أن تحب وفى نفس الوقت حمت نفسها من فعل الحب والارتباط الطبيعى.
تراقبه من بعيد وربما تلقى عليه التحية من وقت الى آخر ..كانت تعتبر دوما حب الطالبة لاستاذها فى الجامعة أمر مفروغ منه فهو لا يعدو مراهقة وتسلية فتيات....
ولكنها كانت تعرف ما هو أفضل...
كانت تعرف أنها اختارت المدرس الوحيد الذى لا يدرسها كى يبقى بعيدا..وعندما اختارت من يشرف على دراساتها العليا ابتعدت عن اسمه على اللائحة تلقائيا..كانت تريده أن يبقى بعيدا..
كانت تحب هذا الشعور ولا تريد أن تفقده..
لا تعرف عنه أى تفاصيل سوى شخصيته العامة واسمه الثلاثى وقد اكتفت بهذا لسنوات طويلة.
بل و امعانا فى معايشة الحالة صادقت زميل دراساتها العليا والذى يشرف هذا الاستاذ على رسالته..
كانت تحوم حول مجاله المغناطيسى مع الحفاظ على مسافة تجعلها بمأمن عن مواجهة الحقيقة.
عندما كانت تفكر فى الامر فى لحظات مصارحة النفس كانت تنحى حقائق تعرفها عن انها خائفة و عن انها تتحايل على الامر بطريقة ما .
كانت تخفى عن ناظريها حقيقة انها تشبع رغبة عادية بطريقة مرضية نتيجة لظروف كثيرة اوهمت نفسها بأنها تخطتها ..كانت تقنع نفسها أنها تفعل هذا عن اقتناع كامل .. وعندما كانت تتهاوى حوائط خداع الذات كانت تكتفى بالبكاء ثم النوم فالاستيقاظ صباحا والتفكير فى كيف سوف تتسمع أخباره اليوم من زميلها.
كانت تعرف أنها تحبه بشدة ..نعم هى تحبه حقا فهى تفرغ كل طاقة الحب فى شخصه البعيد عن عالمها..وكانت تعرف أن أول كلام ستقوله عما يعتمل داخلها تجاهه ستكون فى حالة واحدة غريبة بعض الشىء..
كانت تعرف أنها سوف تفضى بكل شىء و هى تركع جوار قبره..وقتها فقط تستطيع أن تفصح.
و ها هى الان ترتدى ثوب الحداد الكامل..تلبس الاسود الذى يغطى ثيابها ويمتد ليلون الافق أمامها و تركع جوار قبره تبكى بحرقة و تحكى له كل هذا..
بعد الهستيريا الاولى لتلقى الخبر..وبعد الدموع المتحجرة فى عينيها..بعد الشهيق العميق والابتسامة الخافتة .. بعد امالة رأسها وهى تتذكر وجهه وهو غاضب من زميلها.. وبعد الرد بعبارات تائهة عن عن استفسار زميلها عن كل هذا الحزن الصادق لموت الاستاذ الذى لم يدرسها ابدا..بعد النظر مليا وتلمس الكتب التى كانت قد أخذتها عنوة من زميلها والتى أخذها يوما من استاذه..
ها هى تركع الان بجوار القبر و تريح عن عاتقها كل شىء اثقلها لسنوات..
سنوات من الحب غير المبرر و مشاعر مريضة لا يستطيع فرويد نفسه ان يفهم تشابكها..
أما ما سوف يحير فرويد حقا و لن يستطيع فهمه او فك الغازه هو تلك النظرة التى تحوى الكثير من الشوق والتى تتطلع بها الان الى ثوب الحداد بينما تدور المشاهد السابقة فى مخيلتها..
اللهفة أن ترتدى الثوب وتقول وتفعل كل ما سبق..اللهفة فى أن يجىء اليوم الذى تنفذ فيه هذا السيناريو الذى عاشته الف مرة من قبل...........والذى لا يجىء ابدا.
..........انجى ابراهيم...........