الأربعاء، 27 أكتوبر 2010

هدايا مدهشة


يدهشها دائماً كيف لبشر لما يتقابلواً أبداً ولم تجمعهم رقعة أرض واحدة أن يتشابهوا بتلك الصورة الآسرة..يبهرها كيف يمكن لأحدهم أن يستخدم نفس الألفاظ وينطق بنفس الطريقة التى يفعل بها آخر يعيش بعيداً عنه ولم يقابله ولو مرة واحدة.

....................................................................................

تعتبر أنها لو قابلت من يشبهه/يتحدث مثله/يستخدم تعبيراته هدايا الكون الرقيقة التى يرسلها هو إليها خصيصاً كى تسعد..يمكنها أن تقف مذهولة إذا قابلت -عرضاً- من يشبهه فى الطريق..يخيل إليها أنها يمكنها أن تقف وتحتضنه وتهمس له أن "طب سلملي عليه وقوله الهدية وصلت"..يمكنها أن تبتسم بلا سبب محدد لمار فى الطريق إذا اشتمت عطره ووجدته يستخدم نفس العطر الذى يدوخها دون أن يحتوى على مخدر ما..يبقى كل ذلك بمنأى عن حيرتها البالغة عندما تسمع أحدهم يتحدث بنفس الألفاظ وينطق بنفس الطريقة التى ينطق بها الكلمات..بل ويضغط على نفس الحروف..تعتبرها معجزات صغيرة وتمتن لله الذى لم يستمع إلى البشر الذين قرروا أن زمن المعجزات ولي بلا رجعة

...............................................................................

تحادث صديقتها محادثة مطولة يتكلمن فيها عن كل شىء..يضحكن بخبث كى لا يفهم من حولهن من الطرفين ماذا يقلن..تخبرها بأخبار العاشق المدله..ذلك الذى يعتقد أنه خلق كي يسحر الفتيات ويصرعهن فى حبه..تخبرها فى المقابل أنه استخدم ذات السيناريو معها..تضحكن كثيراً من فرط سذاجته أو ربما غبائه..يهتفن فى وقت واحد "ياشيخة دة بنى آدم مكررررررررر".

تستمر المكالمة حتى تخبر الصديقة بشىء ما فترد الأخرى عليها بثقة من يضع نقطة فى آخر جملة مكتملة أنه " أكيد"..تسكت ثانيتين حتى تسيطر على قلبها الذى قرر فجأة أن يقفز من مكانه بعد أن سمعت منها لفظة " أكيد" وتخبرها أن "إنتى بتتكلمى زيه بالظبط"..تضحك الأخرى وتخبرها أنها لم تعرفه وأن الله قادر على كل شىء..تظل تداعبها بأن القصة سوف تتضح فى النهاية أنها كالأفلام الهندية وسوف تقابلها به فى يوم ما فيحبها لأنها تتكلم مثله ويتركها..تضحكن وتكملن المحادثة الأبدية.

..........................................................................

يمكنها أن تكتب قصة عن كل لفتة يفعلها هو..حتى الانعكاسات اللاإرادية التى يفعلها البشر جميعاً يمكنها أن تكتب عن كل منها قصة مكتملة الأركان..يمكنها أن تكتب عن كل كلمة من كلماته نصاً محكم البناء وعبقري الصياغة..يمكنها أن تفعل كل ذلك بسهولة من يكتب إسمه..ولكن سحر ان ترى صديقتها تتكلم مثله له طعم آخر.

ربما لأنهن يتشاركن أسرار كثيرة سوياً..ربما لأنها تحكيها عنه كثيراً..ربما لأنها تعرف أنها مثلها..تفهم ما يمكن أن يعنيه أن تحب إحداهن رجلاً تسحرها تفاصيل يومه العادية جداً والتى لا تلفت نظر أياً كان..ربما لأنهن يمتلكن معاً لغة خاصة/شفرة لا يمكن لأحدهم أن يكتشفها.

........................................................................

تستمر المكالمة حتى تشعر أنها أوشكت على النوم بالفعل..تخبر صديقتها بذلك فتهتف الأخرى أنها لن تنام الآن "خااااااااالص"..تنطلق فى ضحكة يمكنها أن توقظ كل النجمات النائمات على بعد آلاف الأميال من الأرض لأنها نطقتها بنفس الكيفية.. تخبرها أن تلك الكلمة تذكرها به أيضاً فترد عليها بطيبة غريبة أن "سبحان الله" ثم تقرر أنها سوف تعفو عنها وتتركها لتنام..تنهى المكالمة بهمسة "تصبحي على خير".

....................................................................

تبهرها قدرة الأرض على الدوران..تبهرها قدرة الكون على أن يهدينا أشياء ليست فى الحسبان..تبهرها الصدفة العجيبة التى جعلت الله يرسلها لها لتذكرها به طوال الوقت وتشعر أن الكون يراقب رضاها بسماعها لكلماته تتردد حولها حتى فى الغياب بابتسامة ثقة.

....................................................................

بعد كل مرة تتلفظ فيها صديقتها بلفظ يشبه ألفاظه..يقفز قلبها تضرعاً لله ألا تفقده حتى لا تكون أصوات الكون من حولها وخزات فى القلب الذى لن يستطيع تحمل وخزات أكثر..فى كل مرة تنطق صديقتها كلمات تشبه كلماته تنظر للسماء ويرسل قلبها دعاءاً لا ينطقه اللسان ألا تتحول تلك الهدايا إلى شهب محترقة فى سماء الذاكرة.


..........إنجى إبراهيم...............

القصة إهداء إليها..هى التى تعرف أكثر مما يجب بما يتوجب -ربما- قتلها لضمان عدم إذاعة الأسرار ولضمان السرية.

الأحد، 17 أكتوبر 2010

يحدث فى العالم


يحدث فى العالم أن تتمنى إحداهن أن يأتيها هو بإيشارب حريري ملون..فقط إيشارب حريري ذو ألوان فاتحة هادئة..إيشارب لا يكلف الكثير من المال ولكنها سوف تحتفي به احتفاء خاص جداً.


لا يفهم العامة أن من طلبت الإيشارب سوف تعطره بعطره المفضل وتلفه على كتفيها أحياناً كثيرة عندما تشتاقه..لا يفهمون أن للإيشارب الحريرى الذى اشتراه هو ملمس آخر يختلف -بالتأكيد- عن أى إيشارب آخر، لا يفهمون أن لعطره على الإيشارب تأثير يشبه الحضن تماماً.


لا يفهمون أنها تفهم تماماً ما تغنت به فيروز عندما وعدت أنها سوف تعيد حبها من أوله إذا كان يشكك فيه لحظة..لا يفهمون ما تفهمه هى عن العشرة التى تتغنى بها فيروز..لا يفهمون أن من تحب حقاً لن يكون أول ما تفعله عندما يشكك هو فى حبها هو أن تعقد حاجبيها وتصرخ "إتفلق"..هى وحدها من تفهم أنه إبنها بشكل ما..أنها مسئولة عن طفلها المدلل..فتاها المفضل..هى وحدها من تفهم أن فيروز كانت تعني كل كلمة عندما أخبرته أن "قايل عن حبي وحبك مش حلو..خبرنى بحياتك ها الحب إد إيه إله..إذا كان حلو..وصفي مش حلو..إلك مني وعليي عيده من أوله" ..هى فقط من تفهم التسامح المهيب الذى تتبع به فيروز كل جملة من الأغنية عندما تقول "معليش..معليش"..هى وحدها من تفهم عمق العشرة بينهما عندما تقول لها سيدة الحب والجمال "شو بيصير لو تنوي..ترميلك كلمة حلوة..كل اللى حملته منك برجع إتحمله"..هى وحدها من تفهم أن للعشرة قوانين أخرى تجعلها سعيدة عندما تدلل فتاها المفضل

يحدث فى العالم -أحياناً- أن تكون هى هناك..تستمع لأغنيات فيروز وتفهم ما تعنيه هى بالعشرة التى لا يجب أن تفرط فيها..العشرة التى تختلف عن الانبهار اللحظى بالأشياء..عندما تكتشف أن هذا الآخر هو الوحيد اللائق على مقاس روحك..هو الوحيد الذى التقطه هوائى الروح..العشرة التى تجعلهن على استعداد كامل -وطوال الوقت- أن يتغاضين عن أى كبوات ويكتفين -فقط- بالتعليق المعاتب كما فعلت فيروز عندما أخبرته معاتبه أن "كبيرة المزحة هاى" وأعادته إلى طريقها بسماحة وأخبرته ما يجب عليه أن يفعله عندما قالت "حبنى بس..حبنى".


يحدث فى العالم أن تكون هى هناك..تضع الإيشارب الحريري الملون على كتفيها بعدما رشت عليه عطره المفضل وتستمع لفيروز عندما تخبرها أن "حد القناطر محبوبي ناطر..كسر الخواطر يا ولفي ما هان عليا".


.........إنجى إبراهيم..........



خارج النص.. إلى فيروز..تلك السيدة التى تعرف جيداً ما تتحدث عنه..تلك السيدة التى تقرب مناطق فى القلب لا يجرؤ آخر على الاقتراب منها..أشكرك.

النص إهداء لمها ميهو..التى طلبت منه أن يأتيها ب"كاميرا وساعة..ولو فيها رخامة شوكولاتة"

السبت، 9 أكتوبر 2010

ما يتبقى -دائماً- من الورد


أقرر أن أستمع إلى النصائح التى تخبرنى أن أسترخى وألا أفعل إلا ما يشعرنى بالهدوء..أرغب -حقاً- بالهدوء..الهدوووووووووء.

أقرر أن يخلو اليوم من المكالمات الهاتفية، المحادثات الإنترنتية، تصفح الكوارث العامة المنشورة على المواقع الإخبارية وأن يخلو من الشارع أيضاً..لن أنزل إلى الشارع اليوم..سوف أحمى نفسى من القتال لمدة يوم وأكتفى بما يجعلنى مسترخية..أو على أقل تقدير أحاول أن أسترخى.

أحلم بأننى أجلس بجانب رجل -لا أعرفه- ولكنه يبدو بالحلم رقيقاً مهذباً..يذكرنى بخالو بشكل ما..أجلس بجانبه ليعملنى كيف أجفف الورد..يخبرنى أن أمسك بالوردة وأنزع تاجها المورق بخفة..الورد فى الحلم كان أبيض..الورد بالنسبة لي ألوان فقط..لا أعرف أسماء للورود فقط أصنفه على أنه أبيض وأصفر وأحمر.

أصحو متأخرة من النوم على حلم آخر مستمد من آخر ما قرأته..الحب فى زمن الكوليرا كتاب عبقرى أمتلك بسببه الكثير من الأحلام والمشاهد التى إنضمت لأرشيف الذاكرة..أصحو بقرار أننى سوف أمارس اليوم كأنه أبدي..سوف آكل وأقرأ وأشاهد التليفزيون وربما أكتب قليلاً..ثم أقرر أننى لن أكتب حتى لا أرهق عيناى اللتان تؤلماننى بشدة منذ الأمس..أعرف سبب ألم عيناي فأنا لا أنهى دواءاً أبداً وقد قصرت فى دواء عيناى..ما علينا..تلك هى أنا على أى حال..أعرفنى جيداً..Take it or leave it بالطبع أتخلى عن قرارى بعدم الكتابة وأقرر أن أكتب كى تكتمل حلاوة اليوم..حتى لو خرج ما كتبته كهذاءات..لن أهتم..سوف أكتب لأستكمل طقوس اليوم لاسترخاء.

أقرر أن أقرأ فأقف أمام المكتبة المرتجلة المحملة بكتب فى كل الأوضاع الممكنة والتى ينتظرنى منها الكثير لم أفتحه بعد وأنتقى كتاب مئة عام من العزلة وكتيب لدكتور أحمد خالد توفيق..يلفت نظرى طبق الورد..كنت أجفف ورود الياسمين التى تسقط من زرعتى وأضعها بالطبق حتى أحتفظ بها..ما تبقى لي من الياسمينة بضع وردات بيضاء مائلة للاصفرار فى طبق بلاستيكى أضعه وسط كتبى وكراساتى وأحلامى..أتذكر أننى أهديت نفسى منذ بضعة أيام بوكيه ورد عله يربت على القلب..كنت أريد ورداته بيضاء وصفراء فلم أجد سوى أبيض وأحمر وروز..إكتفيت بهم ولفه لي البائع مع ورقات خضراء كثيرة واحتضنته ربما أشعر بأى شىء نحوه فلم أفلح..وضعته فى زهرية مرتجلة وبعض الماء ورشة سكر كي لا يذبل سريعاً.

أخذت طبق الورود الياسمينية وقررت أن أضم لهن بعض الورود الأخرى..أتبع نفس طريقة رجل الحلم فى قطف تيجان الورد..أضعهم جميعاً فى الطبق الذى يأخذ مكانه وسط الكتب.

الآن فقط أستطيع أن أشعر بشىء ما تجاه الورد..ما يتبقى دائماً من القصص والأشياء والناس والعلاقات هو ما يستطيع أن يخترقنى..الأشياء بعد أن تنشأ بيننا علاقة..بعد أن أشاركها فى التفاصيل..بعد أن أمد يدي وأفعل لها أى شىء..عندها فقط تخترقنى وتسكن بالداخل للأبد..كما الأشخاص تماماً..الذاكرة المشتركة وبصمات يدي على قلوبهم هى ما تجعلهم داخلي للأبد.

أفتح الكتاب فأجد بداخله ذكريات يوم فائت حمل لي من السعادة قدر ما يستطيع..أجد تذكارات صديقتى السمراء وقد كتبت لي عليها وسط الكلام أنها تحبنى..الكتاب أصلاً إهداء غالي جداً..أعرف أن من أهداه لي يحبنى حقاً.

ما يتبقى -دائماً- من الورد أحلى فى وجهة نظرى من الورد نفسه..علاقاتى بالأشخاص بعد أن يخبو التوهج والانبهار اللحظى وتبقى العشرة أو الذكريات المشتركة أو ما أطلق عليه الموجات التى تلتقطها أرواحنا تشبه أوراق الورد بعد أن تجفف وتمتزج ببعضها فلا تستطيع أن تفرق أيها يخص الوردة الحمراء وأيها تخص الوردة الروز..الاندماج هو إسم اللعبة..الاندماج الذى يجعلك تذوب فى أرواح الأشياء والأشخاص..الاندماج المشبع جداً المؤلم جداً عند الفقد..الاندماج الذى يخبرك كم أنك إنسان.

ما يتبقى -دائماً- من الورد يخبرنى أننى مازلت أنا.
.........إنجى إبراهيم..........
الصورة المرفقة لطبق الورد.