السبت، 24 ديسمبر 2011
أنت في حياتي
(1)
طيران أعجميان
معتصبا العينين
قصيصا اليدين والرجلين
تلامست -عرضاً- أنفاسهما
انصرفت كل حواسهما فى إدراك مذاق القبلة
"أنت في حياتي تلك "القبلة
***************
أنت في حياتي كتلك القبلة، كأول قبلة، تلك الارتجافة المندهشة، ذلك الإحساس الطاغي بقرب الآخر أكثر مما تحملته روحك طوال السنون المنقضية، أن تكتشف فجأة أنك فاتك الكثير جداً، وأنك -أخيراً- قد عوضت.
أنت في حياتي كتلك القبلة، متعة تتوسط حرباً ضورس مع الأيام، إغفاءة إرهاق وسط حفل صاخب، أنت في حياتي كتلك القبلة، تعويضاً عن عصبة العينين، وقصر اليدين والرجلين.
......................................................
(2)
ككل من كل
كقلب من قلب
تنبعث كل أسباب السعادة في عينيه نظرة
"أنت في حياتي تلك "النظرة
*************
كالانتماء أنت في حياتي، كل من كل، لا يستقيم كلي دون كلك، كقلب من قلب، لا يحيا دون المضغة التي تتوسطه حياة.
كحي اكتمل، تنفس، رأى ما فاته، تكشفت فجأة أمامه ظلمة ما مضى فانبعثت السعادة في عينيه نظرة.
أنت في حياتي نظرة ، كل فرحة مكتملة هي أنت، كل متعة منقوصة بغيابك، دونك في حياتي تختفي النظرات، يخفت البريق، دونك في حياتي لا امتلك -حتى- النظرة.
.......................................................
(3)
شريد في نفسه
شارد عنها
يلاحقه الليل
ظلمة الجبل المقيم
إبتئاسات الغيمات
يأس الأغيار
لكنه مطمئن
"أنت في حياتي ذلك "الاطمئنان
*****************
أن تحب، هو أن تتذكر فجأة وأن تلهث إرهاقاً من الحياة أن أحدهم على الطرف الآخر من العالم يحبك، لا يعيقه جريه المحموم في الحياة عن أن يحبك، يحملك في قلبه، يصلي من أجلك في الأماكن التي تحبها، يتذكرك في وجوه العابرين وكلمات الأغراب، فتطمئن.
أنت في حياتي اطمئنان أن خطواتي أكثر ثباتاً، وعطري أكثر تأثيراً. أنت في حياتي اطمئنان أنك حينما تشرد بعيداً، كلما ابتلعك الليل ولاحقتك ظلمة الجبال تربت على قلبك كي لا أجزع عليك.
أنت في حياتي اطمئنان أن يأس الأغيار لا يمسك طالما أنت عائد لي وحدي، أنت في حياتي اطمئنان أنك مطمئن وكفى.
...............................................
(4)
يبكي ملء أحلامه الصغيرة
تضمه، يتماثل للهدوء
تغمره منه ضحكة
"أنت في حياتي تلك "الضحكة
*****************
أنت في حياتي كضحكة تلك الضمة، طضحكة طفل منتزعة من قلب كابوس، طضحكة طفل سمع دقات قلب أمه تهدهده أنها هنا من أجله.
كضحة عينين دامعتين اطمئنتا، كضحكة حقيقية تعرف ألا شيء قادر على محوها، أنت في حياتي كضحكة بعد نحيب استمر ربما بلا أسباب منطقية، كانجلاء الحقيقة فجأة بعد احتجاب.
أنت في حياتي ضحكة شمس، تغيب -ربما- لتعود أكثر دفئاً وعذوبة.
................................................
أنت في حياتي قبلة إنظر إليها باطمئنان ضاحكة
......إنجي إبراهيم........
*مقاطع الشعر العمودي ذات الترقيم هي مقاطع لذات القلب الرائق لبنى أحمد نور، تلك الفتاة ذات الأجنحة البنفسجية والتي تنعم كلماتي بمشاركة كلماته ذات السطور.
*العنوان "أنت في حياتي" نفس عنوان نصوص لبنى المقتبسة.
*الإهداء : إلى من يعرف نفسه جيداً
الثلاثاء، 13 ديسمبر 2011
المسافات
كان العنوان موفق جداًمن وجهة نظري، فتلك الرواية لا تتحدث عن شخوصها سعاد وليلى وعلي والشيخ مسعود، الرواية -قطعاً- تتحدث عن المسافات الفاصلة بين الواقع والخيال، أو بكلمات أكثر إنصافاً، تتحدث الرواية عن المسافات التي كانت يجب أن تكون فاصلة بين الواقع والخيال.
أعتقد أنني لن أتحدث تلك المرة عن الرواية ولن أعطي تلميحات تغريك بقرائتها، فقط سوف أتحدث عن السحر المتسرب بين السطور، عن الحضور الطاغي للأستاذ إبراهيم عبد المجيد في الكلمات.
يا الله، كيف يمكن لكل هذا الشغف أن يتجمع في رواية واحدة؟؟ سحر بالمعنى الحرفي الكامل للكلمة، لم تكن تلك تجربتي الأولى مع أستاذ إبراهيم عبد المجيد، ولكنها تجربة تختلف، قرأت له كثيراً من قبل وتفاعلت وأحببت وبكيت ورق قلبي، ولكنني لم أنوم مثلما حدث معي وأنا أقرأ المسافات.
تحكي الرواية عن عشرين بيتاً يسكنهم عشرون أسرة على ضفاف بحيرة ما، لا يعطيك أي ملامح للمدينة أو المكان، فقط بحيرة تحيط بها نباتات الحلفا ويسطع القمر فوقها، هكذا بلا سابق إنذار يقرر الكاتب أن يشرك القارىء في عملية الخلق، فيمكنك أن تقرر أنت ستكون بحيرتك وأين سوف تدور الرواية.
يسكن البيوت رجالاً ونساءاً مفرطين في الواقعية الخيالية، يمكنه أن ينقل لك تفاصيل حياتهم الواقعية جداً من طقوس خبيز الأفران وإشعالهم للفواريكة للتدفئة ورقصهم في الاحتفالات، ويمكنه أن يستفز عقلك ليتخيل مشهد خيالي جداً لأحدهم ينمو جسده نمواً هائلاً في يومين وأخرى تصغر حتى تكون وجهاً بأذرع وسيقان مثل الدبابيس أو أن يقنعك أن أحدهم لا يستطيع النظر لعين الشمس وأنها تطارده.
في المسافات يحيا كل منا في عالمين، قدم في العالم الذي يمكنك أن تلمسه وتشمه وتسمعه وقدم في عالم أثيري قوانينه تختلف عن كل شيء عرفته قبلاً.
في المسافات "وروايات إبراهيم عبد المجيد عموماً" هناك إجلال يشبه التقديس للنساء، يمكنه أن يرى الجمال بشفافية رقيقة، يصف إبراهيم عبد المجيد نسائه حتى الغرور، يمكنهم من التمتع بكل تفصيلة خلقت فيهن، يستطيع أن يعلو بهن فوق صفات البشرية حتى لو كن مغرقات في الواقعية، يجعلهن حوريات في كل شيء بارعات في الحديث براعتهن في الفراش، كلمات إبراهيم عبد المجيد عنا "نحن نون النسوة" تحلق بنا فوق الواقع وتجعلنا قادرات على إغواء كل شيء حتى الهواء.
تمتلىء الرواية بحالات ساحرة وأحداثاً مغرقة في الخيال، يمكنك فيها أن تنفس عن ضيقك من واقعك المادي جداً والسفر معه للمدينة الغامضة التي يذهب لها كل سكان ضفة البحيرة ولا يعودون، يمكنك أن تستمع لحن المسفر فوق القطارات الذي يعزف الناي ولا يعبأ بالنزول في المحطات، شخصيات خيالية تعيش معهم صفحات حياتهم وتنسل من واقعك الخانق لتعود أكثر وعياً بكل شيء.
خيالية رواية المسافات لا تنتمي لذلك النوع من الخيال الذي يجعلك ساخط على واقعك أو على الكاتب، لا يجعلك تشعر ولو مرة واحدة أن هناك استخفاف بعقلك، على العكس تماماً فخيالية رواية المسافات تجعلك تعتقد بشدة في أن هناك أموراً تحدث حولك لا قبل لك بها، أموراً خارجة عن إرادتك تماماً ولا قبل لك بها، تجعلك تفكر في احتماليات أن تكون صدف حياتك كلها ليست صدفاً بالمعنى الحرفي وأن هناك دوائر أخرى تدور على مسافات قريبة منك.
رواية المسافات تحررك من قيد أن تكون أنت المسيطر على كل شيء لبعض الوقت، تحرر يجعلك تزيح مسئولية الكون من على كتفيك لبرهة، تستمتع فيها بالسحر لتعود أكثر اقتناعاً أنك أنقى وأنبل، وأسعد حظاً.
.......إنجي إبراهيم........
الأربعاء، 7 ديسمبر 2011
طقوساً مقدسة
"قصي شعرك تغيري حظك"
لا تعرف تحديداً أين/متى سمعت تلك الجملة قبلاً، فقط وجدت الجملة تتردد في خلفية رأسها كفكرة ملحة لا تستطيع التخلص منها، فكرت كثيراً من قبل أن تغير قصة شعرها، تفكر بلا جدية حقيقية، تنظر في المرآة وتقول أنها سوف تقص شعرها، وتستدير وتنسى الموضوع تماماً، أما تلك المرة فالموضوع مختلف
تلك المرة جائتها الفكرة وهي تحت الماء الساخن الذي تشعر به يحتضنها، زخات الماء الدافئة التي تحتضنها حضن افتراضي جداً لا تعرف هل تملك إزاءه أن تبتسم أم تقطب، تسعد بحضن الماء أم ترغب في حضناً آخر أكثر حميمية ودفئاً، حضن تسمع معه دقات قلب آخر وتستشعر أنفاس دافئة حقيقية وليست بخاراً لماء فارق السخان لتوه.
تذهب لمصففة الشعر الحسناء، تجلس تحت يديها كي تقص لها شعيرات سوداء طويلة، تفكر أن الفتيات يقصصن شعورهن فتأتي ساحرة طيبة ذات قلب كسر ذات مرة كسراً عنيفاً فتجمع شعرات الفتيات وتصنع منه أحجبة كثيرة تضمن لهن حظاً أكثر سعادة.
ترفع رأسها وتنظر لمصففة الشعر في محاولة منها للعثور في وجهها على أي ملمح من ملامح الساحرات، يخيل إليها أنها سوف تراها تقوم بحركات طقسية وهي تقص شعرها أو تتمتم ببعض العبارات التي سوف تجعل حظها أحلى.
مصففة الشعر تنجح فقط في منحها ابتسامة صافية وإعجاباً صادقاً بشكل وجهها بعد قص شعيراتها السوداء الطويلة، تخبر نفسها فى المرآة أنها أصبحت سمراء قصيرة الشعر بعد أن ظلت لوقت طويل جداً سمراء طويلة الشعر، تتيقن أنها سوف ترحل وتأتي الساحرة الطيبة ذات القلب المكسور لتأخذ شعراتها من مصففة الشعر الحسناء وتذهب به حيث تصنع أحجبة كثيرة بروائح الفانيليا واللافندر لتجعل حظها أحلى.
............................................
"قصي شعرك تغيري حظك"
هي لا تريد من الساحرة الطيبة أن تغير لها حظها، هي فقط تريد منها أحجبة تجعل القلق يكف عن التهام قلبها كل مساء، تصنع لها أحجبة لتكف عن الخوف من كل/أي شىء، تود من الساحرة الطيبة التي كسر قلبها يوماً ما أن تضمن لها أنها لن تكون هي الأخرى ساحرة طيبة تصنع أحجبة للفتيات.
تفكر كثيراً في أنها تود لو رأت ساحرة الشعر القصير تلك، لابد أنها تصنع الأحجبة من الدموع والدعوات والشعيرات السوداء والصفراء وصلوات القلوب، لابد أنها تنكأ جرحها يومياً في سبيل تحسين حظ الفتيات الأخريات، تصنع لهن أحجبة وتنظر لهن في البلورة السحرية لترى حظوظهن تصبح أحلى فتسعد وتبحث عن شعيرات أخرى لفتيات أخريات لتمارس طقوسها المقدسة.
تفكر كثيراً جداً وتنظر للبحر وتعبث بخصلات شعرها القصيرة الجديدة، تسمع صوتاً دافىء يخبرها أن "تعرفي شكلك حلو أوي وشعرك قصير"، تلتفت لتجده يقف خلفها متأملاً شكلها الجديد، تنهض من جلستها وتقف أمامه، يخلل أصابعه في شعرها القصير ويحتضنها بقوة، تظهر في الأفق جنية طيبة تلوح لها من بعيد وتغمز بعينها اليسرى وتختفي في الماء.
........إنجي إبراهيم.........
الثلاثاء، 8 نوفمبر 2011
مذكرات جارة طيبة
" أن يورط المرء نفسه في شخص محروم للأبد، يعني أن تتحمل ثقلاً من الذنب، إنهم يحتاجون الكثير، وأنت تستطيع أن تعطي القليل"
لم تكن تلك جملة افتتاحية للرواية، ولا حتى لحظة فارقة فيها، هي فقط جملة تحتل الصفحة رقم ربعمائة وثلاثة عشر من تلك الرواية العبقرية "مذكرات جارة طيبة" لدوريس ليسنج والتي تمتلىء بجمل شبيهة تتلمس أوتار روحك برفق.
دوريس ليسنج -بالفعل- لم تكن أقل من أن تحصل على نوبل فى الآداب، تلك الكاتبة المليئة بالغضب والقلق والدفء، طاقة من الحكي تبهرك وتشدك نحوها لتغرق في كل التفاصيل التي تحكيها وتستمتع بها.
لم تكن تلك المرة الأولى التي أقرأ فيها لدوريس ليسنج، كانت تجربتي الأولى معها في رواية عبقرية تحمل إسم "الطفل الخامس" سوف أتكلم عنها باستفاضة لاحقاً، اليوم أحكي عن تجربتي الثانية معها "مذكرات جارة طيبة" التي تتقمص فيها دوريس دور المحررة الصحفية جين سومرز التي فقدت زوجها وأمها بلا أي مشاعر فقد حقيقية، جين التي تتعامل مع كل شيء عدا نفسها بمنتهى العملية، لا يهمها شيئاً سوى أن تعيش حياة كاملة تهتم فيها بكل شيء يخصها.
جين التي تمثلنا جميعاً، أنانيتنا المفرطة في حماية أنفسنا من الوجع دون لؤم، إستطاعت دوريس ليسنج أن تنقل لنا شخصية جين سومرز الطيبة الخائفة من الوجع مما يحملها أن تتخلى عن كل الإنسانيات وتستغرق في عملها وحمامها اليومي وفساتينها الأنيقة، وتتخطى فقد الأحباء بلا ذرة وجع واحدة.
جين التي ينقلب فيها كل شيء عندما تقابل مودي فاولر، جارتها المسنة الفقيرة العنيدة، تفرغ فيها جين كل شحنات الطيبة المخزنة داخل جيناتها، تعتني بها وتنظفها، تحممها وتحمل عبء رعايتها وترى فيها أمها التي لم تهتم لأمرها وفريدي زوجها الذي لم تمسك بيده مرة واحدة وهو يصارع المرض ويحايل الموت.
مودي فاولر، إستطاعت دوريس ليسنج عبرها أن تنقلنا بالزمن لنشاهد أنفسنا حين نكبر، هل سوف نكون واهنين للدرجة التي تجعل مودي تبول في ملابسها وتجعلها غير قادرة حتى على النهوض لجلب كوب ماء؟
مودي فاولر، هي الخوف الكامن بداخل كل منا أن تضيع حياته هباءاً، هي كل ما نحارب من أجله ونحن شباب، صراعنا تجاه الحياة لنحصل على الشريك المناسب، أن نحب وننجب أبناء، أن نغترف من الحياة بكلتا يدينا تحسباً لما سوف يحدث لاحقاً.
مودي فاولر وجين سومرز، وجهانا اللذان نقرأهما عبر رواية "مذكرات جارة طيبة"، الرواية التي اجتهدت دوريس ليسنج فيها أن تنزع غشاوة الأنانية عنا جميعاً، أن تأخذنا من أيدينا لتطرق باب الوهن قبل أن يطرق هو أبوابنا، أن توجه رؤوسنا ناحية فئة من المجتمع نتحاشاها جميعاً تجنباً للألم مهما كان داخلنا من طيبة.
دوريس ليسنج، تلك الكاتبة المبدعة التي أهدتنا رقة قلوبنا مغلفة بالعتاب الرقيق عبر حروف روايتها العبقرية، الرواية التي ظلمتها الهيئة المصرية العامة للكتاب عندما نشرتها تحت ترجمة رانيا خلاف، تلك الترجمة التي تعتبر بمثابة جريمة شنعاء وتشويه متعمد لرواية لم تكن تستحق تلك الجريمة البشعة التي طالتها.
ترجمة أقل ما يقال عنها أنها غير أمينة بالمرة، ترجمة شوهت جمال الرواية وعذوبتها، رانيا خلاف مترجمة لا أعرفها إطلاقاً ولا أعتب على عملها بوجه عام لأنني -ببساطة- لم أقرأ لها سوى ترجمة "مذكرات جارة طيبة" لحسن حظي بالطبع، ولكنني أتعجب من استهتار الهيئة الشديد بجودة إخراج الكتب وعدم دقتهم فى اختيار المترجمين لروايات بقيمة وأهمية سلسلة الجوائز لا سيما أن الروائية التي نحن بصددها حاصلة على جائزة نوبل.
ترتكب الهيئة المصرية العامة للكتاب جريمة كبيرة عندما تقوم بإنفاق ذلك المبلغ الهائل على الطبع والتوزيع وأجور العاملين ليخرج لنا بكتاب يجب أن يكون وجبة دسمة ونفاجىء بأنه لا يرقى حتى لمرتبة الوجبات السريعة.
على أي حال، لا أنصحك البتة بقراءة نسخة الرواية الصادرة عن الهيئة والتي سعر نسختها إثنى عشر جنيهاً فقط سوف تتسبب في إحراق دمك للغاية ولتبحث عن ترجمة "نضيفة" للرواية.
.........إنجي إبراهيم..........
الجمعة، 4 نوفمبر 2011
ثرثرة
اليوم بطوله أسمع هلاوس، يخيل لي أن هناك هاتف يدق، رنة موبايل لا أستطيع تبينها أتوقف عما أفعله وأنصت فلا يتوقف الصوت ولا أستطيع تبينه، فأنظر لشاشة هاتفي المحمول لأجدها مطفأة فأتيقن أنها محض هلاوس.
في كل مرة أخرج فيها لعتبة المنزل لأخرج شيئاً ما، أرى ظلاً لفتاة على جدار السلم المواجه لي، فتاة تنظر ناحيتي بإصرار، أنظر لظلها وأدقق النظر لأتيقن أنها -ببساطة- أنا.
اليوم أعيش أحداث اليوم وأنا خارجه وأشعر أن كل لحظة تمر هي سطر يضاف في قصة قصيرة سوف أسرد فيها لحظات فتاة تعاني الهلاوس والقلق وتغرق الورد -الصناعي- في شاور برائحة الخوخ زاعمة أنها تنظفه. فتاة تتعجب كيف بقى أخضر بوكيه الورد -الحقيقي- الذي جلبته أنت أخضر كما هو.
تتعجب كيف أنها في كل مرة تقابلك فيها تشعر كأن رائحتك التصقت بها، ترى أن رائحتك مميزة جداً، فتاة تجلس لتكتب تلك الكلمات وهي تأكل جالاكسي فلوتس التي جلبتها أنت أمس وتفكر في العطر، عطرك الذي لا تقصد به ذلك البرفان ذو الإسم الغريب الذي تستخدمه أنت ولكنها تفكر في العطر الذي يتسرب منك خلسة، رائحتك التي تلتصق بها في كل مرة تراك فيها، رائحتك التي تلخصك بالكامل.
أعرف أنك تحبني، وأعرف أنني أرهقك جداً بقلقي المفرط وهلاوسي التي لا تنتهي، أعرف أنني أضغط على أعصابك بشدة عندما أطالبك بلا شىء وأتعجب من أنك لم تفهم كلماتي التي تتمحور غالباً حول "أنا..أصل..بص..قولي..sooner is better..لو..تمشي..لو..لو..لو" ، أعرف أنني أعاني فيضاً من الهلاوس يمكنه أن يكفي سكان السبع قارات وأنك تتفهم ذلك، وأعرف أنني لن أتوقف عن القلق وأعرف أنك سوف تظل تتفهم وسوف تظل تحبني.
اليوم غريب، غريب للدرجة التي وجدتني فيها أقول لصديقتي أنني جاهزة للموت، وأخبرها بضرورة أن نغضب وأن "ندبدب برجلينا في الأرض"، أحفزها لضرورة أن تستهلك قواها في الانفعال حتى تنتهى شحنته تماماً وتتطهر، أخبرها أنني أريد أن أخرج غداً وأنني سوف أذهب معها لمهرجان الألوان وأنني، لازلت جاهزة للموت.
تأتي رسالتك على هاتفي، أضحك، أود لو فعلت مثل ما فعتله بالأمس قبل أن أقابلك، أمس رقصت بهستيريا على أغنية "can't take my eyes off you" لفرانك سيناترا، رقصت كما لم أفعل من قبل، رقص يحمل في طياته الكثير من "الهبل"، كنت أستهلك قواي، أتنطط في كل الاتجاهات، أرفع ذراعاي عالياً وأدور وأدور وأدور وأضحك، الأغنية لمست وتراً يعاني الهبل في عقلي فانطلق قي أوضح صوره، اليوم لم أستطع أن أقوم بتأدية نفس المشهد، ليس لأنني قمت بمسح المراوح وتنظيف الأرضيات وتلميع الخشب، ولكن فقط لأن هناك أشخاص لا يحملون إسمي يتواجدوان في حيز المشهد.
كنت أقول رسالتك، نعم رسالتك كانت بطعم الجلاكسي فلوتس التي انتهيت منها تواً وأرغب في أخرى. نعم أرغب في أخرى، دائماً أرغب في أخرى ودائماً أظهر العكس و...، هل تفهم؟؟
على أي حال، أنا فقط أثرثر عن كل شىء، أمتلك في الأيام القادمة فراغاً بحجم أسبوع كامل يمكنني فيه أن أمرح مع الهلاوس وأفكر ألف ألف مرة في الدقيقة الواحدة عن احتمالات المرحلة القادمة، تلك المرحلة التي أعرف أنها -إن مرت- سوف تكون ذكريات بطعم الفراولة، تلك الفاكهة المحرمة التي تعرف حلاوتها بعد تذوق اللسعة الأولى وبعد أن يعتاد لسانك على ملمسها الخارجي.
.........إنجي إبراهيم......
السبت، 29 أكتوبر 2011
موعد يومي للهروب
خطوتها سريعة وواسعة، تمشي وهي ناظرة للأرض حياءاً، حجابها طويل ولا ترتدي سوى جونلات واسعة، تتلمس إطار عويناتها طوال الوقت، تقطع المسافات كلها دون أن تفكر في الوقوف لأي هدف.
هي شابة، موظفة في مجلس المدينة، تقريباً لا تفعل شيئاً ذو قيمة، تخرجت في كلية مرموقة ولم تجد عملاً حكومياً سوى هذا، يتمسك أهلها بقطار الميري وقد أجبروها أن تتمرغ في ترابه. رضيت كما رضت من قبل أن ترتدي الحجاب كي لا تفترسها الكلاب الضالة، وكما رضيت أن تسيج حياتها حتى لا تقترب منها صديقات السوء، وكما رضيت بملابسها التي تجعلها غير مرئية كي لا "يطمع" فيها أحد الذئاب البشرية الذين يتجولون بحرية تامة.
حياتها مقسمة بين العمل والمنزل، تقرأ كثيراً جداً، تقريباً لا تتحدث مع أحد، دائماً ما تشارك في الحديث بعيون زجاجية تنظر من خلال الجالسين معها ولا تنظر لهم.
تعيش اليوم كله بانتظار اللحظة المرتقبة، اللحظة التي تغلق عليها باب غرفتها ليلاً.
.............................................................
شعرها أحمر صارخ، شفاهها مطلية بلون مثير وأظافرها سوداء بالكامل مع لمعة فضية تخطف الأبصار، ثوبها ذو حمالات رفيعة وينحسر عن ركبتيها بإصرار، ضحكتها مجلجلة ونظراتها تدعوك بمنتهى الوقاحة أن تقتحم مساحتها الشخصية.
لا يهم من أين جاءت، المهم أنها دائماً هنا، ترقص وتحادث أحدهم، ربما تضع يدها بدلال على رقبته وهي تحادثه، تجذب ياقة قميصه وتهمس في أذنه بكلمات يجذبها بعدها ويبتعدون عن الحشد.
.............................................................
ربما يكون إسمها هدى أو فاطمة، ليس هذا السمت الهادىء سوى أن يحمل إسماً وديعاً مثله. تجلس على طاولة الغداء بينما يخبرهم أخوها أن أحد زملائه استأذنه أن يزوره زيارة عائلية، يشير لأمه من طرف خفي أن تحفزها، تخبرها أمها أن عليها أن تتزين وتقابل زميل أخاها، تومىء برأسها في صمت وتنهي غدائها سريعاً وتدخل غرفتها.
.............................................................
ربما يكون إسمها فرانشيسكا، لابد لكل تلك الثورة والجنون أن يحملوا إسماً يصفع أذنك فتنتبه، يتودد أحدهم إليها ويضع يده على ركبتها، تضحك وتلتقط كأساً ترتشف منه ببطء وهي تنظر في عينيه مباشرة، تزحف يده إلى ما أعلى ركبتها قليلاً، تضحك بشراسة وتجرع ما بكأسها دفعة واحدة وتجذبه من يده ويغيبان عن الحشد.
............................................................
تتسع ابتسامات أهلها كثيراً بينما تتسائل هي، هل عندما يتزوجها سوف تشاركه نفس الغرفة؟؟ ألن تحظى بفرصة أن تختلي بنفسها في نهاية كل يوم كما تفعل؟؟
تفيق على "زغدات" أمها لها وتفهم أنها لابد أن تبتسم، يثني عى حيائها كونها لم ترفع عيناها ناحيته طوال الجلسة، طالت السهرة واقترب موعد نومها جداً، استأذنت وسط ذهول أهلها ودخلت غرفتها وأوصدت الباب.
.....................................................
تسأل البارمان أن يصب لها كأساً أخرى، تجول بعينيها وسط الحاضرين وتشعر بأحدهم يحاوط خصرها بيديه، تلتفت وتطلق ضحكة مائعة مازحة، ثم تقترب منه أكثر، اليوم ترتدي ثوب فاضح حتى بالنسبة لملابسها المعتادة، كلماتها لرفيق الجلسة غير واضحة لأن الموسيقى عالية جداً، يخرج لها ورقة من فئة المئة جنيه ويكتب لها عليها عنوانه، تأخذها منه وتعطيه قبلة طويلة في المقابل وترحل.
....................................................
لابد للخطبة أن تكون "على الضيق"، فلا هو يستطيع تحمل تكلفة حفل ضخم ولا أهلها يستطيعون، تجلس في صالون بيتهم بجواره وتحاول جاهدة أن تتذكر إسمه، يقترب المهنئون وتنطلق الزغاريد، يلتقط أخاها العديد من الصور بكاميرا هاتفه المحمول.
تنظر أمامها راسمة ابتسامة هادئة على شفتيها تعتصر ذهنها في محاولة تذكر إسمه ولا تفلح، يقوم هو ليخرج للشرفة ويترك "الحريم" ليستجوبوا والدتها حول ملابسات الخطبة ولكي يشبعوا مدحاً في ثوبها و"لفة الطرحة" وكي يقيموا ثمن الدبلة والمحبس.
تستأذنهم وتقوم وسط ذهولهم الشديد، تدخل غرفتها وتغلق عليها باب الغرفة.
....................................................
يدخل أخوها الغرفة ليجدها تخفي أوراقاً تحت مرتبة السرير، يستجوبها ويظن أنها تخفي خطابات غرامية كتبتها لأحدهم وتود التخلص منها، يعلو صوته ويجذب ذراعها بعنف، تقاومه وللمرة الأولى تجرؤ على الصراخ بوجهه، يزداد إصراره على معرفة فحوى الأوراق وتدخل أمهم مولولة ناعية الفضيحة التي هم بصددها.
يأخذ منها الأوراق عنوة ويفتش فيهم جميعاً فلايجد سوى رسومات متقنة، تنهرهم أمهم وتجذبها من يدها لتخرج بها للمدعوين.
تخرج معهم وتلقي نظرة على أرضية الغرفة التي امتلأت بمشاهد لحياة فرانشيسكا وتتعلق عيناها بآخر صورة، وتعرف أن فرانشيسكا لن تتمكن أبداً من الذهاب للعنوان المكتوب على المائة جنيه.
.........إنجي إبراهيم..........
الأربعاء، 26 أكتوبر 2011
فقط للتسجيل..أو صفحة من مذكراتي
تستهويني قراءة النصوص الشخصية، أبحث بشغف عن نص يحكي وقائع حياة بطريقة عذبة، مع أنني لست بارعة في كتابتها، يمكنك أن تتهمني بحب التلصص، ولكنني أشعر أنني أحيا حيواتهم وأنا أقرأ، في نفس الوقت أنا لا أستطيع أن أتحدث عني في نص دون أن أشعر بالسخف الشديد، وأنني أضعت مقدار "3 جنيه كهربا" في كتابة غثاء لن يقرأه أحد لأنه لا يهم أحداً.
أحياناً تتملكك رغبة شديدة في البوح، البوح لوجه البوح لا أكثر، يمكنني تحت وطأة ذلك الشعور أن أحكي عن كل شىء.
مثلاً يمكنني أن أحكي عن أنني التزمت بحمية غذائية بدءاً من اليوم، ليست تلك المرة الأولى التي أجرب فيها الريجيم، جربته من قبل ونجح بشدة، أعرف أنني أصلاً لا أفشل، أنا شخص غير قابل للفشل، ربما "أستهبل" أحياناً وأولول ناعية حظي الهباب ولكنني لا أفشل، تلك خصلة ليست حميدة بالمناسبة، ألا تقبل بالفشل يعني أنك سوف تضيع "شوية وقت محترمين" مجرباً أن تنقذ علاقة / صداقة / عمل مدة صلاحيتهم انتهت، كأنك بإصرار وحماس تجرب أن تصلح غسالة أوتوماتيك مستخدماً إبرة كروشيه.
كنت أقول أنني لا أفشل، أنا أصلاً لا أحتاج الريجيم بشكل ملح، ولكنني أحتاج أن أحكم السيطرة، أحتاج أن أشعر أن الأمور "أندر كونترول يا بوص"، هنا يجب أن أعترف أنني شخص يعشق السيطرة وأن تجري الأمور كما خطط لها تماماً، وتلك مشكلة أخرى.
يمكنني أيضاً أن أحكي عن زيارتي "الأولى" للأهرامات / القرية الفرعونية/ دار
أوبرا القاهرة، اليوم الذي يستقر بوداعة في أهدأ مكان بالذاكرة، ليست المشكلة أن تلك كانت أول مرة لي في تلك الأماكن، ولكن "الفولة" أنها كانت معه.
مممممم، أحتفظ بتذاكر دخول الهرم، الهرم الذي لم أستطع استيعابه تماماَ، والذي لم أستطع أن ألتقط أي صور قربه لإحساسي أن "مينفعش كل دة يتحبس في صورة".
أستطيع أن أحكي عن فقداني الوعي في حجرة الدفن بعد صعود ما يقرب من 21548752154875122 متر "رقم تقريبي لا يقصد به سوى المزاج"، وما تلا ذلك من أحداث أتحمل مسئوليتها بالكامل "جري وخضة ومحاولات مستميتة لإفاقتي"
أحكي عن التذاكر التي احتفظت بها وكتبت عليها "الحاجات الحلوة" أو عن تذاكر دخول القرية الفرعونية التى احتفظت بها لسبب واحد "السبب جملة مكونة من كلمتين"، عن تذكرة السوبر جيت "برضو مكتوب عليها حاجات حلوة"، أو عن لقطة موقف سيارات القرية الفرعونية "بس ملقيتش حاجة أكتب عليها فكتبت على الورقة الكبيرة"، شوكولاتة مارس، جولة نيلية، فيروز، وأشياء أخرى.
يمكنني أن أكتب عن أيام قضيتها أحمل هماً شديداً وأدعو برفق عل الله يستجيب، عن جملة "تم يا إنجي" التي كان لها وقعاً ساحراً جعلني لا أستطيع غلق فمي من الابتسام لمدة ساعتين كاملتين، عن وجهي لحظتها عندما تيقنت أن الكرب –تقريباً- إتفك.
يمكنني أن أكتب عن لحظات فقد القدرة على التفكير المتعقل في أي شيء، عن حلمي الذي حلمته أمس بزميلتي في العمل وجاءت اليوم لتحكيه "متعودة انى احلم بحاجات وتتحقق عادي يعني"، عن أن الشاي بلبن أصبح أحلى منذ الأمس لأسباب غير معلومة، عن الصباحات التي أشتعل فيها غيظاً لأنني لا أتلقى "صباح الخير" لائقة.
عن أنني أقرأ بنهم تلك الأيام، أقرأ وأستمتع جداً، أقرأ وأستمتع وأبعث للمترجمين أسبهم عن جرائم اقترفوها في حق نصوص رائعة بحق، عن مبلغ مالي محترم تم إنفاقه بنفس راضية جداً على عدد محدود من الكتب دون الإحساس بأي ضغائن.
يمكنني أن أسود صفحات كاملة كلاماً عن حياتي الشخصية، وكم أنني مترقبة وقلقة وسعيدة، وبعمل ريجيم وبحب.
يمكنني أن أحكي عن كل هذا، ولكنني لست بارعة في كتابة النصوص الشخصية، لذلك لن أحكي.
.........إنجي إبراهيم.......
الجمعة، 21 أكتوبر 2011
أدوار
أنا الراوي الكلي القدرة في الأحداث، أنا الذي يرى من منظورأوسع يجمع كل دقائق المشهد التي لا يستطيع القارىء تخيلها وحده، في السينما أنا عين المخرج، أنا وجهة النظر، أنا الاتجاه الذي يريدك الكاتب أن ترى منه الحدث.
وأنا من يستطيع أن يخبرك من موقعه عن كل الموجودين في المشهد.
أستطيع أن أخبرك عن تلك العروس التي ينقلون "عفشها" على العربة نصف النقل، الأثاث متواضع، فقد غذاني الكاتب بمعلومة أن العروس من أسرة فقيرة وسوف تزف إلى بائع فول فقير بدوره.
هنا يمكن للكاتب أن يجعلني أخبرك شيء من اثنين، ربما يجعلني أقنعك أن الحياة قاسية جداً، فالفقر عندما يتزوج من الشقاء لا أقل من أن ينجبا التعاسة، ويجعلني أتبنى وجهة النظر تلك وأنقلها لك، أو يمكنه أن يجعلني أخبرك أن الحياة مازالت بإمكانها أن تكافئنا، الفقراء أيضاً يستطيعون الزواج، حتى بإمكانات محدودة.
حسناً، فلتختر وجهة النظر التي تروقك ولتتبعني إلى شخوص المشهد.
هل ترى تلك السيدة التى ترقص، حسناً سوف تفاجىء عندما أخبرك أنها ليست خالة العروس، ولا هي زوجة خال العريس، هي فقط جارة مصاب زوجها بسرطان الرئة منذ بضع سنوات، لديها ولدان، يستيقظون جميعاً -مع سكان الشارع- على صرخات زوجها من الألم كل يوم.
تلك الجارة ترقص في كل المناسبات، في كل مرة تزف إحدى فتيات الشارع، أو حتى تقرأ فاتحة شاب ما، حتى تراها ترقص بعبائتها المتسخة التي تخرج بها لتبيع الخبز ولتنشر غسيل الجارات العاملات وتتقاضى أجراً ضئيلاً يساعدها وزوجها، تلك الجارة تتدخل في كل شىء، كل مناسبة تجدها موجودة، بنفس العباءة الخضراء المتسخة -ربما تغيرها أحياناً بأخرى بنفسجية اللون- ترقص بحماس.
تلك الجارة تجدها أحياناً تبكي على قارعة الطريق، تشكو أعمام أولادها أنهم لا يساعدوها أبداً، تشكو أن زوجها يزداد مرضه ويحتاج المزيد من الأدوية في كل يوم، تشكو من كل شىء، ثم تمسح دموعها وتنضم للفرح المقام، وترقص.
أخبرتك أنني أنا الراوي الكلي للأحداث، ولكنني سوف أتحايل معك -أيها القارىء- على الكاتب ولن أجعله يحكم على تلك المرأة، لن أجعله يجعلك تتعاطف أو تنفر، للمرة الأولى يتحكم القارىء في الكاتب، أنا سوف أساعدك فقط وعليك أنت أن تقرر.
وبما أنني الراوي كلي القدرة، يمكنني أيضاً أن أخبرك عن عازف المزمار البلدي، ذلك الرجل الوسيم ذو الجذاء اللامع، شعره مصفف بعناية ويتلفع بشال تم كيه جيداً جداً، يختال بجلبابه الواسع ويعزف على المزمار أغنيات مبهجة، يشير للشاب الذي يتبعه إشارات ذات مغزى فتختلف النغمة، ربما يعزفان "يا نجف بنور يا سيد العرسان" وربما في إشارة أخرى يعزفون "كايدة العزال أنا من يومي".
هذا الرجل لا عمل له سوى تلمس أخبار الأفراح المقامة في الشوارع كي يحييها بمزماره، عشر دقائق لا أكثر، يخرج منها بما يجود به المدعوون، ربما يخرج ببضع عشرات من الجنيهات، وربما لا يخرج بشىء على الإطلاق، في كل الأحوال لا يتذمر، لا يشكو بخل أهل الفرح.
يمكن لك أن ترى هذا الرجل على المقهى، يشكو زوجته التى ترى أنه لا يفعل شيئاً ذو قيمة، يشكو عدم تفهمها لسحر المزمار، يشكو أنها لا ترى معه سحر أن ينظر للبلكونات في الشوارع ويرى عيون البنات متعلقة به متمنية أن يأتي بشاله الأبيض يوماً ما وينفخ في مزماره أغنية "على ورق الفل دلعني".
وبما أننا قد اتفقنا أننا -أنا وأنت- سوف نأخذ دور الكاتب ونتحكم في الشخوص، لن أصدر لك أي حكم أخلاقي على عازف المزمار، فلتنتقي وجهة نظر تروقك، إختلف معه أو اتفق، وتعال لأخبرك عن هذا الشاب على اليمين.
ذلك الشاب الواقف أعلى العربة، هو أخو العروس، لا أعرف عنه الكثير، ولكن ابتسامته الخجلى تلك عندما طالبوه أن يرقص تشي أنه من فئة الفقراء الذين تم تربيتهم جيداً.
يمكنك أن ترى هذا الشاب يقف في الشارع يدخن سجائر محلية الصنع ويتبادل مع رفاقه كلمات قليلة ثم يصعد بيته لينام، يمكنك أن تحصر حياته في ذلك المشهد فقط، ذلك هو متنفسه الوحيد بعيداً عن مصنع الملابس الذي يعمل فيه "مقصدار".
باقي شخوص المشهد لا يهمك أن تعرف من هم، وجوه تقابلها كثيراً جداً، والكاتب لم يخبرني بأي شىء عنهم.
الآن قد وصلنا للنقطة التي يجب على الكاتب فيها أن ينهي النص، وبما أننا -أنا وأنت- اتفقنا أن نخدعه، سوف ننهي حوارنا هنا، ولنتركه يلعب بشخوص النص كما شاء.
...........إنجي إبراهيم.............
الثلاثاء، 18 أكتوبر 2011
ميراث الخسارة
كان يجب أن تكون الرواية على تلك الدرجة من الحرارة والحرقة، كان يجب أن تكون حريفة وساخنة وحميمة.
ميراث الخسارة، تلك الرواية التي تلتهمك بالكامل لتنقلك في زيارة قوامها ربعمائة وتسعة عشر صفحة للهند. الهند الحقيقية تلك التي تزدحم بأحلام ويوميات شعب أسمر حار الدماء متقلب.
كيران ديساي، الكاتبة الهندية التي نجحت في ألا تثير نفوري رغم الفقر والجهل والخزي والقلاقل التي تفعم الرواية كانت تستحق عن جدارة جائزة البوكر الدولة لعام 2006.
في الرواية سوف تفعم أنفك رائحة البهارات الهندية وسوف تأخذك بالكامل علاقة "ساي" و "جيان" الغضة الممتلئة رغبة وبراءة، الشابة المحبطة اليتيمة المكروهة والشاب الفقير المحبط، يكتشفان نفسيهما للمرة الأولى معاً. تمكن الكاتبة من نقل أحاسيسهما الجديدة ودهشة ساي من اكتشاف نفسها للمرة الأولى، تدخل بك "كيران" إلى قلب ساي لتتعرف نفسك هناك، ربما تجد نفسك في موقف ساي، ربما تكتشف أنت الآخر أنك بصدد اكتشاف آخر، هو أنت بكل بساطة.
عمق شخصية القاضي وعناده وغروره المقيت، شخصيته الضعيفة التى داراها طوال حياته كما كان يداري سمار وجهه بمساحيق التجميل، كراهيته لنفسه والتي تنعكس بوضوح أسطوري في كراهيته للبشر، تأنيب ضميره المستمر والذي منعه من أن يتواصل مع أحد سوى كلبته "مات" التي يفقدها في النهاية جراء بغضائه الشديد.
صفعتني الرواية صفعة قوية وأنا أقرأ عن قلاقل الهند وعدم استقرار الأوضاع الأمنية بين الهنود والنيباليين، ذكرتني بشدة بما يدور الآن في مصر، نفس الصورة المظلمة على نطاق أوسع، انقبض قلبي كثيراً وأنا أقوم بحساب الوقت المتبقي حتى تلحق مصر بالهند في وضعها المذري.
يمكنك أن تربط بيننا وبينهم عبر الحديث مع شاب مصري يريد السفر والهجرة، سوف ترى فيه ملامح "بيجو" الشاب الهندي إبن الطباخ الفقير المتملق الضعيف، بيجو الذي أحرقه شوقه لوطنه والذي شوهته "ماما أمريكا" ولم يطق صبراً حتى يقنع نفسه أنه سوف يعود لتنشق رائحة الهند مرة أخرى، فيستقبله الهنود بالسرقة ويعيدوه خالي الوفاض تماماً لأبيه الذي دفعه للسفر. تناقش كيران عبر شخصية بيجو رؤيتها في أن الهجرة للضعفاء الذين يتهربون من وخز الضمير ويتنصلون من جريمة الانتماء.
الرواية مليئة بمشاعر إنسانية غضة، الحميمية في أبسط صورها، تمكنت كيران ببساطة أن تعيد عمل ميكانيزم الإحساس لدي بسهولة، لغتها سهلة وتعبيراتها تنفذ للداخل مباشرة دون تعقيدات.
نقلت كيران الصورة كما أملاها عليها ضميرها الهندي، لم تتفنن في خلق معاناة من الفراغ، ولم تصدر لنا صورة الهند ذات المهرجانات والألوان المبهجة على طول الخط.
بقى أن أقول أن الرواية نشرت تحت رعاية الهيئة المصرية العامة للكتاب ضمن سلسلة الجوائز، الإصدار الرابع والأربعون وثمنها - فقط - عشرة جنيهات.
صدقني إذا أنت قرأت ميراث الخسارة، لن يورثك ذلك إلا إحساساً وتعاطفاً ونبلاً شديداً.
...........إنجي إبراهيم..............
الأحد، 16 أكتوبر 2011
حمى حنين
" أعطني الناي وغني، فالغنا عدل القلوب"
تضع مشغل الموسيقى فى أذنيها وتستمع لفيروز وهي تقرر أن الغنا عدل القلوب، دائماً تستمع لتلك الأغنية تحديداً في نسختها المسجلة من حفل لست الحب والجمال، تأسرها اللحظة التي يبدأ فيها الحضور بالتصفيق، تتخيلهم عندما رأوها تهل عليهم بتاجها اللامع وعيناها اللوزيتان، لابد أن يصفقوا بالطبع، وفي كل مرة تختلس لحظات تصفق فيها معهم، حتى لو تصفيق مكتوم، تشعر كأنها تشاركهم "خضة" أن يروا فيروز تتجلى.
...............................................................
"الأمنية اللي عمرها ما هتتحقق، إنى احضر حفلة لفيروز"
لا تعرف إذا كانت الرعشة والإحساس القاتل بالبرودة بوادر دور برد قوي أم أنها أعراض لحمى الحنين، أطرافها باردة جداً وشعور قوي أن الثلج يتكاثف حول عمودها الفقري، صداع يلف الرأس ورغبة شديدة في أن تهذي حتى البكاء.
برد قارس ذلك الذي يحكم قبضته عليها، كأن هناك وحشاً ثلجياً أبيض اللون ينفخ أنفاسه الباردة تحت جلدها، يكاد الدم يتجمد، أم تراه تأثير مكيف الهواء؟؟
صداع شديد مصاحب لحالات الحمى يلف رأسها، هل لحمى الحنين نفس المواصفات؟؟
.............................................................
" النسكافيه دة إسمه بلاك؟؟ انتوا بقى بتشربوه بلبن ليه؟؟ ايه الدلع دة؟"
ما نسبة ألا تتفوه بألفاظ نابية عندما يحكم الكون قبضته حول رقبتك ويمنعك من التقاط الأنفاس؟؟ يتركها " الأوفيس بوي" تصنع لنفسها كوباً من النسكافيه الدافىء بل ويتهكم ويتهمها بمنتهى الدلع.
دون أن تحول وجهها ودون أن تلتفت له، تناولت عبوة النسكافيه وبحثت عن طريقة التحضير، ثبتت إصبعها عند جملة "ثم يضاف الماء أو الحليب" وناولتها له دون أن تتكلم.
" بتسيبي بواقي فى كل الكبايات، إشمعنى النسكافيه؟"
تبتسم وتشعر بالبرد أكثر.
.................................................................
" أعطني الناي وغني وانسى داء ودواء، إنما الناس سطور كتبت لكن بماء"
فلتحل اللعنة بكل أجهزة التكييف في العالم، ذلك البرد القارس والوحشة المؤلمة، حتى النسكافيه لا يستطيع التدفئة، وهي لن تستطيع حضور حفلة لفيروز، والهاتف صامت جداً.
هل أخبرها يوماً أن فيروز سوف تقيم حفلاً في مصر في شهر سبتمبر؟؟ تريد أن تتأكد ولا تستطيع، الصقيع لابد أنه تكاثف حول أبراج شبكات المحمول، لابد أن هذا هو ما جعل الهاتف صامت جداً.
هل مكيفات الهواء تؤذي القلب كما تؤذي الجسد؟؟ تتسائل أثناء محاولة خرقاء لنفض الإعياء عن ذهنها، حمى شديدة وبرد يلف كل شىء.
..................................................................
" فالغنا عدل القلوب"
تقرر أن تنهض لتطفىء أجهزة التكييف، تقف أمامه وتضغط على الريموت عدة مرات، البرد لا ينسحب، ربما يزداد كونها تقف في مواجهة المكيف تماماً، تضغط مرة أخرى ثم تسمع صوت "الأوفيس بوي" من خلفها يخبرها أن " حطي الفيشة الأول وهو يشتغل، أصله مطفي من امبارح".
..........إنجي إبراهيم.............
الأربعاء، 12 أكتوبر 2011
اضطراب
تجلس على المقعد الأقرب له، تستمع إليه وهو يشرح كيف يمكنها أن تنسق صفحات برنامج الوورد وكيف يمكنها أن تقوم بتكبير الخطوط وتصغيرها إلى آخر هذا الكلام الذي لا تفقه -ولا تريد أن تفقه- فيه شيء، تعطي ظهرها لباقي الزميلات وتتوجه ناحيته، تسأله كثيراً ويجيب عليها بسعة صدر تزيد من تعلق عينيها به.
.......................................................................
- إحنا هنروح ناخد كورس كمبيوتر عشان محتاجينه في الشغل، تعالي معانا أهو تشغلي وقتك.
- طب انتوا بتشتغلوا هاخده أنا ليه؟
- عشان لما جوزك يسافر تدوري انتي كمان على شغل، بدل قعدة البيت دي.
......................................................................
تلقي دعابات خفيفة وتنظر لوجهه في ترقب، وسيم هو، في الحقيقة هو وسيم جداً، خفيف الظل يرتدي ملابس بسيطة ويدخن بشراهة. هي أيضاً جميلة، بيضاء ممتلئة عيناها واسعتان وشفاهها وردية اللون دون طلاء، تتكلف قليلاً في ملابسها كي يظهر جمالها كما ينبغي أن يظهر، إكسسواراتها دائماً ما تعطي جسدها بهجة تراها حسداً في عيون زميلاتها.
تسأله عن كيفية تظليل الكلمات في نص يحتل صفحة وورد، يخبرها فلا تستطيع التنفيذ، يقترب ويبدأ في الشرح على شاشتها، تعترف داخلها أن عطره أخاذ، تغلق عينيها لثانيتين وتستنشق العطر مرة أخرى، ربما سحره يكمن فى اختلاطه برائحة سجائره. تمد يدها تلقائياً للإمساك بالفأرة في حين أنه لم يتركها بعد، يجفل من الحركة الغير متوقعة وينظر لها في استفسار فتبتسم بخبث وتدير وجهها ناحية الشاشة وتطلب منه أن يكمل الشرح.
.....................................................................
- طب انتي بيغمى عليكي كدة كتير؟
- مكنتش كدة أبداً..من ساعة ما اتجوزت بس..شكلي اتحسدت.
- إنتي متجوزة من زمان؟؟ شكلك لسة صغيرة.
- لسة مكملتش سنة.
...................................................................
ينفك الجمع من حولها بعدما تفيق ويعودون للاستماع له مرة أخرى، تظل تراقب وجهه لترى تأثير إغمائتها عليه فلا يمكنها استنطاق ملامحه، تريح رأسها على مسند الكرسي عدة مرات وتنظر له ربما تنطق عيناه بأي هلع، لا فائدة إطلاقاً، فقط سألها مرة قبل أن يستأنف الشرح إن كانت بخير.
تسأله في صوت واهن كيف يمكنها أن تعطي الصفحة إطاراً، وكالعادة يخبرها فلا تستطيع أن تنفذ فيقترب ويستخدم شاشتها، تبتعد بكرسيها عن الشاشة لتوسيع المجال له، يقترب ويبدأ في الشرح، تقرب الكرسي مرة أخرى ولا تنظر له وتبدأ في سؤاله أسألة لا تنتهي، يتحرج من اقترابها الشديد من جسده ويلخص إجاباته، ينظر لها فى كراهية وتنظر له فى انكسار، ثم يبتعد.
....................................................................
- يا بنتي مالك مكتئبة كدة..المفروض تكوني مبسوطة..الكورس اللي مش فاهمة منه حاجة قرب يخلص..وللا كل دة عشان جوزك قرب يسافر؟
- آه أكيد عشان قرب يسافر.
- طيب عموماً مش لازم تكملي المحاضرة، أنا اتصلت بيه وقلتله انك أغمى عليكي المرة دي كمان، وزمانه جاي.
- شكراً.
...................................................................
تدخل القاعة لتستأذنه فى الانصراف، يعطيها موافقته دون أن ينظر لها، تقترب أكثر وتلقي دعابة فينظر في ساعته يستحثها على الانصراف وتركه ليستأنف عمله، تجمع حاجياتها وتلتقط الكشكول والقلم، يسقط منها أمام قدميه ولا يعيرها هو أي اهتمام، تنحني لتلتقط القلم من أمامه تماماً ثم تنظر له في خجل يراه في عينيها للمرة الأولى، وترحل.
...................................................................
يدخل القاعة رجلاً تخطى العقد الرابع بقليل، أصلع الرأس تقريباً عيناه ضيقتان ووجهه أحمر ويلهث بشدة جراء تكوينه الجسماني الغير متناسق، يرتدي ترننج أصفر اللون غالي الثمن وساعة أنيقة كلاسيكية باهظة بدورها، على ملامحه طيبة شديدة تساعدها ملامحه الغريبة في أن يبدو لأول وهلة من ذوي الإعاقات العقلية حتى يبدأ في الكلام فتكتشف أنه اختير ليكون ضحية عيب خلقي يعطيه مظهراً غريباً بينما هو صحيح العقل تماماً.
يبحث بعيناه في أرجاء المكان، ثم يتوجه ناحيتها هاتفاً " إيه يا ماما مالك؟" تنظر له لحظات ثم تنفجر في البكاء.
........إنجي إبراهيم.............
الثلاثاء، 11 أكتوبر 2011
إليها بعد ثلاثة وعشرون عاماً بالتقريب
إبنتي ،
أمام هذا الخطاب ما يقرب من الثلاثة وعشرون عاماً كي تطالعة عيناكي، اللتان أثق في أنهما جميلتان، لن أدعك تقرأيه طفلة لا تفهم حجم ما يخبرها به الكبار، ولن أجعلك تقرأيه مراهقة لا تستطيع مشاعرها ممارسة فعل الفرملة، يجب أن تكوني شابة تخطيت الواحد وعشرون عاماً حتى أخبرك بما جرى.
هل ترين الصورة المرفقة بالخطاب؟؟
تلك الباكية هي فيفيان، والجسد المسجى بجانبها هو مايكل خطيبها، كما ترين فيفيان تحتضن يد مايكل وتبكي، يمكنك بعد كل هذا العمر أن تسمعي الصراخ الخارج من الصورة، هل تسمعين نبضات قلبها الذي تضع يد ما يكل عليه للمرة الأخيرة؟ هل أنت أذكى مني وأوسع أفقاً لتخبريني كيف تشعر فيفيان؟ لأنني -والله العظيم- لا أتخيل ولا أستطيع استيعاب المشهد.
كنت أنا آخر جيل لحق بما تبقى من جملة "الدين لله والوطن للجميع"، أنا تقريباً آخر جيل لعب مع دينا التي أرتني صورة ربها في كتاب الدين المسيحي خلسة في حصة ميس وفاء، آخر جيل صادق فيه المسيحيين المسلمين بلا تساؤلات "مقرفة"، أنا آخر جيل لم يجد غضاضة في أن يرتدي سلسلة مفتاح الحياة دون التفكير في أنها تشبه الصليب، وآخر من اشترى الإنجيل من معرض الكتاب دون أن يخاف من أن تستنكر العيون الفعلة الشنعاء، أنا من الجيل الذي صدق دميان ومجد الدين وصداقتهم الأسطورية في روايات ابراهيم عبد المجيد.
أنا من آخر جيل سمى فيه المسلمين بناتهم بإسم إنجي دون تقريع من أحد.
أنا الجيل الذي عاش "يصهين" على الاحتقان الطائفي وينكر وجوده بشدة، أنا من الجيل الذي كان يتصل بعادل صليب كل كام شهر ليعزيه في ضحايا تفجيرات للكنائس وبعدها ضحايا لتبادل ضرب نار وبعدها للتعزية في ضحايا الجيش المسيحيين الذين تظاهروا لأنهم طالبوا بأن يبنوا دوراً للعبادة.
أنا من الجيل الذي تحمل فيه المسلمين مغبة أن يقول للمسيحيين "my name is khan and i'm not a terrorist" وتحمل ألا يصدقني الكثيرين، أنا من الجيل الذي بح صوته ينادي أن "اللي بيعملوا كدة ميفهموش حاجة فى الإسلام"، أنا من الجيل الذي ثقل قلبه بما يحدث ولم يجد ما يفعله سوى أن يولول على فيفيان في صمت أثناء البريك وأن يجدني الأوفيس بوي أبكي بحرقة دون سبب واضح في الصباح الباكر وأنا أنظر لشاشة الكمبيوتر.
ابنتي، أنا أرتدي اليوم بنطلون بني اللون وقميص أبيض وإيشارب بلون القهوة، في حقيبتي مصحف ومسبحة ولا أستطيع الالتزام بالصلاة طوال الوقت، أحمد الله كثيراً وأردد طوال الوقت جملة "البقاء لله"، لست متدينة جداً ولكنني أعرف حدود الله، أعرف أن ما يتحمله المسلمون قوي جداً، أعرف أن "وشنا إسود م المسيحيين" وأعرف أن الله سوف يعاقبني لأنني لا أجيد تحسين الصورة، ولا أستطيع مساعدة فيفيان ولم أستطع الحفاظ على حياة مايكل.
أنا مذنبة في حق نبيي محمد عليه الصلاة والسلام لأنني لم أوصل رسالته كما ينبغي، لأنني لم أستطع أن أمنع زميلي في العمل من التريقة عندما وجدني اشتريت إنجيل، ولم أستطع أن أحاجه كما ينبغي لأن فهمي قاصر، أعرف أن الله غاضب مني لأنني لم أستطع أن أخرس مديرتي التي تبغضني بلا سبب واضح عندما قالت لي أن "بس دة كفر ودة كتاب متحرف" ولم أرد عليها بنصوص تسكتها واكتفيت بأن قلت لها "أنا بتكلم في إنسانيات، مش من حقك تتريقي على معتقدات حد أياً كانت، ومينفعش يبقى معدي من جنبك واحد مسيحي ويسمعك بتتريقي على دينه".
والآن، هل يمكنك أن تكفي عن النظر لصورة فيفيان ومايكل وتخبريني لماذا تبكين بحرقة؟؟؟؟؟
........إنجي إبراهيم.........
الخميس، 29 سبتمبر 2011
كريليان
على سبيل المفتتح/
على سبيل المفارقة (1)
على سبيل المداخلة/
نبضي يتسارع بصورة جنونية، لا أستطيع التنفس تقريباً، لابد أن هالتي الآن حمراء تماماً، أحاول تنبيههم، إرتديت كل ما يمت للأحمر ولم يهرع أحد لنجدتي. لا يجب أصلاً أن يهرع أحد ما لنجدتك، فلا أحد يعرف كريليان.
على سبيل المفارقة (2)
متعجرفة، هي إذن إحدى الزبائن "الأليطة"، تضع سماعات مشغل الموسيقى في أذنيها وتنظر خارج النافذة، على الأرجح تعتبرني "خدام أبوها" لمجرد أنني سائق تاكسي، في الأغلب لن تناقشني في الأجرة "عنتظتها" سوف تمنعها.
تطلي أظافرها بلون زاعق، كل المغرورات فتيات استعراض في الأصل، يداها شهيتان في اللون الأحمر، شفتاها أيضاً، والكعب العالي يعد بالكثير، لا أطمح حتى فى التحرش بها، فقط أنا أسجل أنها نجحت في إثارتي.
على سبيل التنفيس/
على سبيل المفارقة (3)
عملي يحتم علي الابتسام، أبيع العطور والساعات والإيشاربات للفتيات، تلك الفتاة ذات الكعب العالي والتي ترتدي الكثير من اللون الأحمر غريبة، وضعت في سلتها الكثير من زجاجات "السبراي" و سوائل تعطير الجسد، مبالغ فيها فعلاً، أمثالها لابد ألا يكن لهن شخصيات محددة، لابد أن تختلف في كل مرة تشمها فيها، على أي حال لا يهم فأنا على الأرجح لن أراها مرة أخرى، فقط أنا أسجل أنها نجحت في إثارتي.
على سبيل الخاتمة/
..........إنجي إبراهيم...........
الاثنين، 26 سبتمبر 2011
هدايا
لأردد مع صداك
أحبك"
يمكنني أن أقولها دونما مساعدة، لكن عندما تتمسك الكلمة بصوتك يكن لها وقعاً آخر، وقتها أوقن أن صوتك خلق -فقط- لأردد أنني أحبك।
......................
"عيناك
لأراني
دونما مرآة"
يمكنني أن أراني عبرك، وأن أراك جيداً جداً خلال مصباحاك العسليان، تحاول رموشك الطويلة تلك أن تخبي ما تستطيعه ولكنها تفشل معي، تتحول أنت لكائن بريء جداً يخجل من نظر الناس خلاله، وأتحول أنا لساحرة شريرة تتكيء أكثر على بسمة العينين رهاناً على طيبة تفضحها ابتسامة خجلى ومرآة لا تعرف كونها مرآة।
....................
"كي لا يغترب في سريرنا قمر
شعرك
رموشك
شامتك"
أحب ألوانك الصريحة، تلك التي تعفيني من استنتاج التلميحات الخائبة، التلميحات للضعفاء الخائفين، للذين لا يعرفون ذواتهم والذين يخافون من أن يكونوا، التلميحات لأولئك الذين يعرفون عن أنفسهم الخسة ويتركون باباً موارب يهربون منه عندما تحين اللحظة।
أما أنت، فلن يغترب في فراشك قمر، ألوانك صريحة، لن يبحث القمر طويلاً عن ليل يلمع خلاله، شعرك، رموشك، شامتك سوف تهديه، يكفي القمر وضوح الليل كي يلمع।
..................
"دفء يديك
لألمس روحي"
قالوا لي مرة أن ذوي الأيدي الباردة تكون قلوبهم دافئة بالحب، خطأ على طول الخط، من يحب/يهتم حقاً، سوف يمنح قلبه الدفء ليديه، لن يتمزق بين دفء قلبه وبرودة يديه، دافىء أنت، دافىء جداً ولا تترك شيئاً للاحتمالات، دفء يديك يهديني لمكمن الروح داخلي، أعرف أين هي عندما أشعر دفئك يتلمسها।
...................
"خطوتك على الأرض
ليستحق عودتي ترابها"
تكلموا كثيراً عن الوطن، ولكني وحدي وجدته।
.........إنجي إبراهيم............
* العنوان هو عنوان قصيدة لسوزان عليوان من ديوان "ما يفوق الوصف"
* الجمل بين الأقواس فيباية كل مقطع هي مقتطفات من ذات القصيدة।
الأربعاء، 21 سبتمبر 2011
مناجاة
تفكر أن الصداع هو عدوها الأول بعد المغص مباشرة، تكره الصداع وتكره كل مسبباته، تتذكر أن آخر مرة أصابها الصداع كانت بصحبته، تبتسم وتخبر نفسها أنها لا تكره كل مسببات الصداع، بل ربما تحب بعضها.
السبت، 10 سبتمبر 2011
فنجان البوح
الجمعة، 9 سبتمبر 2011
أبجدية إبداع عفوي..وأشياء أخرى
أبجدية إبداع عفوي، ذلك المشروع الذي أفخر بأنه يضم حروفاً كتبتها لوجه البوح لا أكثر، كلمات أخذت من روحي أجزاء لتخرج وتتشكل أسطراً يمكن قرائتها، أجزاء مني أفخر أنها حق لها أن تتحد مع أجزاء أخرى لتشكل حلماً يولد من رحم الصعب ليعاند।
.........إنجي إبراهيم...............
السبت، 3 سبتمبر 2011
قابل للقسمة
يسألها عن شكل حياتها قبله فتجيبه بتلقائية "مفيهاش رجالة"
................................................................
يتقاسمان كل شىء حتى جمل الحوار والأحلام، حتى توقيت الحلم يتشابه، يصحو ليخبرها أنه حلم بها لتهتف أنها أيضاً حلمت به أو العكس।
"فى الحلم خدتى إيدي حطتيها على قلبك وقلتيلي كنت هنا، وهتفضل"
...............................................................
يتقاسمان كل شىء، حتى جمل الحوار والأحلام، والروايات، اختياراتها له تجعل أيام السفر أقصر، واختياراته لها تجعل أيام الانتظار أقصر
"في الحلم خدت إيدك حطتها على قلبي وقلتلك انه بيدق، وضحكت جامد"
................................................................
يتقاسمان كل شىء، حتى جمل الحوار والأحلام، والأسئلة وعندما سألته عن حياته قبلها أجاب "كانت تجارب وانتي النتيجة"।
.........إنجي إبراهيم............
الأحد، 21 أغسطس 2011
وهي تنساب
"لا شىء كالماء لينظف كل شىء।"
تخلع ملابسها وتقف تحت رشاش الماء، تتركه يتسلل حتى تحت الجلد، صمت تام لا تسمع فيه سوى صوت انتحار القطرات على أرض الحمام، ربما دقيقتان حتى تبدأ فى رفع رأسها والنظرحولها।
"لا شىء كالماء يمكنه أن يطهر।"
تترك الماء ينساب على رأسها فيكتسب سخونة تشعر بها عند ملامسة القطرات لجسدها، تفكر أنها بذلك تتخلص من كل شىء، كل دفقة مياه تخليها من إحدى خيبات العمر، تبتسم للفكرة وتستسلم تماماً للماء المنساب بارداً فتدفئه هي।
تخلل أصابعها في شعرها فتلاحظ سقوطاً لخصلات كاملة، يقولون أن الحالة النفسية مهمة جداً لصحة الشعر، تضحك وتقول لنفسها أن تلك الخصلات هي ضريبة الشفاء، في كل خصلة شعر تفقدها تفقد أيضاً أحد العثرات، فهذه الخصلة أخذت معها الخذلان، وتلك أخذت معها الخوف، أما تلك الخصلة فأخذت معها الوحدة।
"لا شىء كالماء يمكنه أن يختلط بالدموع فيداري على الأرواح المكلومة।"
تتابع وقوفها تحت الماء المنهمر، تمتم في سرها أن حمامات الماء الدافئة مريحة للأعصاب، وحمامات الماء الباردة تنعش العقل وتجعلنا أفضل، تبتسم لنفسها في خبث وتخبرها أنها تملك كل شىء، فماذا تريد أكثر من هذا؟
"لا شىء كالماء يتسرب بسرعة من بين كفيك। "
تغلق صنبور المياه جيداً وتجمع خصلات شعرها المتناثرة من إثر السقوط، تلف المنشفة حول جسدها وتخرج لتواجه العالم بلا خيبات، فقط قبل أن تبدأ في مسرحيتها اليومية عليها أن تخفي الخصلات جيداً في ذلك الصندوق الذي يحتوي أجزائها الأخرى।
.........إنجي إبراهيم...........
الثلاثاء، 16 أغسطس 2011
محازاة
تحكي له عن يومها المشحون، عن زملاء العمل، عن غباء البشر، عن زحام المواصلات، عن كل تلك الأشياء التافهة التي تعيقها عن التنفس وتجعلها تتمنى لو بكت وضربت الأرض بقدميها كالأطفال।
........................................................................
"كل يوم لكن، لكن بيفرحنا"
تفاصيل الحياة تعيقها عن أن تخبره أنها تود لو تراه، أنه أوحشها، تعرف أنها سوف تكون سخيفة جداً لو قابلته وهي محزونة، تعرف أن عيناها لا تلمعان في مثل تلك الظروف، تكره الكون كله وتتمنى لو تحولت لميدالية تستقر في جيب قميصه سماوي اللون।
....................................................................
"إن انت جوا القلب، ساكن فى أفراحنا"
يفاجئها بزيارة غير متوقعة ينافس بها مغامرات كابتن كوك في الأدغال ليصل إليها فى الموعد المحدد، تندهش من قدرته على استنفار قوته وتسخير كل قوى الكون فى صالحها دوماً، تندهش من إصراره على أن يراها وهو يعرف أنها ليست على ما يرام وربما تفسد الزيارة بحزن يخيم على أجواء نفسها من بلادة تلك الأيام।
..................................................................
"وانت الأمل فى العيون، والنشوة ساعة الجنون"
قبل أن يلتقط أنفاسه من تعب المشوار، ينظر لها ويسألها "هاه॥مالك بقى؟؟ أنا سامعك"
لا تحرك ساكناً وتظل تنظر له في بلاهة حقيقية، هل جاء كل تلك المسافة ليسألها ماذا بها؟
................................................................
"واياك تكون زيهم، وتروح وتجرحنا"
في كل مرة تخطط فيها أن تحذره من أن يكون "زيهم ويروح ويجرحنا" يفاجئها بتصرف يشي أنه لا يعرف عن وجودهم فى الحياة، هو ببساطة لا يستطيع أن يكون "زيهم" لأنه ليس منهم।
يستميت في جعل تفاصيل اليوم لا تنسى، وتظل هي منبهرة، يخلق كثيراً من التفاصيل التي تجعلها تعتقد أن سخافات الحياة -ربما- حدثت لها فى حياة أخرى، وأن ثقل الأيام وقع في قاع محيط واسع ولن يستطيع النجاة لمضايقتها بعد الآن।
...............................................................
"دة انت الوحيد منهم، تقدر، تقدر تريحنا"
تبعث له برسالة نصية بعد أن يغادرها تخبره فيها أنه الوحيد الذي "يقدر يريحنا"।
........إنجي إبراهيم.........
* الجمل بين الأقواس من أغنية "بننجرح" لمحمد منير من ألبوم كان عمري عشرين.
الجمعة، 12 أغسطس 2011
غرق
ترتدي قميصه وتقف في صالة منزلهم تحت الثريا تماماً، تبدل عيناها بين إتجاهي الثريا والساعة، تفكر أنه تأخر جداً وأنها سوف تتألم عندما تسقط الثريا فوق رأسها مباشرة، صامتة تماماً وتعبث فى رأسها احتمالات عدة عن سبب تأخيره، ينقبض قلبها عند التفكير في حادث سير أو مشكلة صعبة جعلته يتأخر عن العودة للبيت، وتفكر في أن تلك الثريا مناسبة جداً للسقوط والتكسر مائة وعشرون قطعة على الأقل।
............................................................................
" أحياناً يبدو الواقع سيناريو ممتازاً لكتابة قصة مشحونة بمشاعر متضاربة، تفاصيل كثيرة تغمرك تماماً حتى تعجز عن التفكير المنطقي"
...........................................................................
المشهد الثاني:
ترتدي نفس القميص وتقف أمام مقعده المفضل فى الشرفة وتمسك بالهاتف، تخبره أن "تصدق؟؟ أنا النهاردة كنت واقفة مستنياك قدام الباب وناسية خالص انك مسافر وانك مش راجع النهاردة أصلاً، ولا بكرة، ولا بعده"
..........................................................................
" وأحياناً أخرى تغمرنا التفاصيل حتى نرى أوضح، حتى نعرف الفرق بين أن تكون أنت، وأن تكون آخر يتظاهر أنه أنت"
.........................................................................
المشهد الثالث:
ترتدي نفس القميص وتتمدد على الفراش وتنظر للسقف، تكتم أنفاسها تماماً عل الزمن يتوقف، تنظر للساعة وترى أن الزمن يمر، عقرب الدقائق لا يتوانى لحظة عن محاولة اللحاق بسرعة سريان الكون من حولها، تجرب أن تغمض عينيها أيضاً مع كتم النفس ربما لهذا تأثير ما، علها لا تشعر بالزمن الذي يمر بطيئاً في الغياب، تشهق بعد ثلاث دقائق وتفتح عينيها ذعراً لتجد أنه -فقط- مرت دقائق ولم يتغير شىء من حولها، لازالت في نفس اليوم، ومازال هو بعيداً جداً، ومازال البيت صامت للغاية।
.......................................................................
" لماذا لم يعلمونا أن نتخذ عدتنا عندما نوشك على الغرق فى التفاصيل؟ لماذا لم يخبرونا بضرورة النفس العميق والورقة والقلم في كل مرة غرق؟ لماذا لم يعلمونا أن للتفاصيل سحر الموت؟"
.......................................................................
المشهد الأخير:
بنفس القميص، تنهض وتتناول زجاجة عطره، ترش رذاذ خفيف في الغرفة وعلى الفراش، تطفىء الأنوار تماماً حتى لا تلاحظ أنه لا يحتل مكانه بجانبها، وتتمدد في الجانب المخصص لها، في العتمة يمكنها ألا تلاحظ الفراغ بجانبها، ولكن الظلام لا يمنع أذنيها عن التقاط صمت يحتله في الأيام الأخرى صوت تنفسه، تتزحزح بالتدريج حتى تحتل الجانب المخصص له فى الفراش وتغمض عينيها।
.............إنجي إبراهيم.........
الأحد، 7 أغسطس 2011
عنها
الثلاثاء، 19 يوليو 2011
تفاصيل
الأربعاء، 22 يونيو 2011
صورة
تأخذها تفاصيل صغيرة وتأسرها حركات بسيطة لا تلفت نظر أحد، ربما ابتسامة هنا، إيماءة هناك، ربما حتى اختلاجة شفاه أو ومضة عين لا محسوبة।
...............................................................
يريها صورة له، صورة لا تظهر حتى كل وجهه، صورة بروفايل كما يقول محترفو التصوير، لا يقصد شيئاً بها سوى أن يريها أصدقائه الموجودين معه، يخبرها عن تاريخ الصورة وذكريات هذا اليوم ويسترسل فى الكلام ويتوه وعيها تماماً عما يقوله ولا تعي حرفاً।
...........................................................
تأخذها تفاصيل البشر، ربما تحب أحدهم أوتكرهه جراء لفتة صغيرة، كلمة ألقاها دون قصد وأكمل كلامه، تختطفها تنهيدة توسطت الكلام أو هزة قدم، محاولة لتعديل وضع ياقة قميص، وربما تبهر أنفاسها تقطيبة تفكير لا تستغرق سوى ثلاث ثوان।
........................................................
يكمل كلماته ويحكيها عن كل واحد من أصدقائه محتلي الصورة، يسرد تاريخهم معه وتاريخه معهم، يتوقف ثانية عن الكلام فتعود هي لتخبره كم أن الصورة "حلوة"، يبتسم ويكمل كلمات ويستريح لمجاملتها العطرة।
يتكلم ويتكلم ويتكلم، ثم يتوقف ليسألها لماذا كل هذا الصمت، فتخبره ببساطة أن الصورة التي يتحدث عنها "حلوة"।
.....................................................
تتذكر شغفها بتفاصيل البشر وهي تستمع له وتنظر للصورة، تستغرق تماماً في مسكته للسيجارة ويده الأخرى التي تصافخ صديقه في حركة عفوية، حركة الأصابع الممسكة بالسيجارة جبارة، وضع اليد نفسها على مقبض الكرسي، يده الأخرى التي توضح مسكتها ليد صديقه في مصافحة شبابية جداً ما يحمله كل منهما للآخر، تجعيدة الجبهة الناتجة عن ضحكة صافية تكاد تسمع صوتها العالي يخرج من الصورة، تفاصيل جعلتها مشدوهة لا يمكنها إلا أن تثبت نظرها عليها وتملأ عينيها بتلك الصورة ال"حلوة"।
.....................................................
يصمت قليلاً ليشعل سيجارة جديدة، يلتقط ولاعته ويقطب ويخفض رأسه قليلاً، يزم شفتيه ليأخذ أول أنفاسها، يرفع رأسه ليجدها تبتسم، يبتسم هو الآخر ويلتقطان قدحي القهوة فى آن واحد، رشفة واحدة في نفس الوقت وصورة بروفايل تظهر عيناها مبتسمتان، وعيناه أيضاً।
.......إنجي إبراهيم..........
الخميس، 16 يونيو 2011
أكروفوبيا
"كان يتطلب النزول من هذا الارتفاع الشاهق أن تغامر وتقف على السور، الخطأ هنا يعني أن تسقط من هذا الارتفاع الشاهق، ترعبها الفكرة وتتجمد في مكانها بلا حراك.
..................................................................
عندما قرر أن يرحل، قرر أن يريح ضميره وألا تشغل باله مرة أخرى للأبد، فأخبرها أنه لم يعدها بأى شىء، قال كلاماً كثيراً يرتبط بالمنطق والعقل، كلام منمق يغري من يسمعه بالتصديق، ولكنه أفسد كل شىء عندما أخبرها بنبرة من يصدق نفسه أنه لم يعدها।
.................................................................
"تحاول مرات كثيرة الاقتراب من السور، تنظر حولها ولا تجد بشراً، حتى الجو محايد تماماً لا ضوضاء ولا شمس ولا برد، كل شىء صامت كما لو كانت تقف على شاهد قبر، تنظر للسور في رعب وتحاول أن تعتليه، يمنعها رعبها وتتراجع وتعمي عيناها دموع لا ينفرط عقدها"
..............................................................
لوهلة صدقته، واقتنعت أنه لم يعدها - حقاً - بشىء، شربت كلماته المرة فى كأس تعاطف مذهبة الأطراف، حاولت أن تناقشه وتخفف من وطأة الكلمات وكان ذلك لا يزيده إلا تصميماً على أن تشرب الجرعة كاملة، أخبرها أنه قرر أن يتركها وأنها سوف تتخطى الجرح بسهولة، ربما تعاني بعض الوقت ولكنها سوف تنجح بجدارة।
...............................................................
"الارتفاع شاهق جقاً، وهي مرتعبة حد التجمد، وأحدهم يقف بالأسفل لا هو ينتظرها ولا هو يمد يده لها، فقط يتململ من بطئها فى اتخاذ القرار، لا ينطق حتى وهي حائرة لا تعرف ما تفعل، تارة تجاهد نفسها على اعتلاء السور وتارة تعمي عينيها دموع العجز، تفكر في أن تجرب وتعتلي السور وتقنع نفسها أنها لو سقطت لن يأخذ الأمر دقائق حتى تلقى حتفها، ترتعب أكثر من فكرة الموت سقوطاً وتفكر في مقدار الألم الذي سوف تشعر به من الارتطام، تهدىء من روع نفسها وتحاول إقناعها أنها سوف تموت بالصدمة قبل أن تصل للأرض، تتراجع عن كل الأفكار وعن فكرة اعتلاء السور من الأساس، فالرعب أكبر منها।"
...............................................................
يخبرها أنها يجب أن تتخطاه، يخبرها أنه لن يكون هنا مجدداً وأنها بالقوة الكافية لكي تتخطى مروره في حياتها، لا يبرر أي شىء سوى رغبته فى التحرر، يقدس جناحا الحرية اللذان يملكهما ويسخر من جذور الانتماء الضاربة فى أعماق قلبها، لن يضيع وقته فى جني ثمار الجذور حتى وإن كانت الأرض طيبة، هو يفضل استخدام الجناحات حتى وإن كانت مكاسبها أقل، التعب في استنبات الأرض ليس عملاً يناسبه، وقد اكتشف هذا وقرر ألا يقاومه أكثر।
..............................................................
"تنظر حولها في محاولة الوصول لقرار، تقيس الأمور بعيناها وتتسائل إذا كان عليها أن تقضي باقي العمر فى الأعلى، فهي لا تستطيع النزول، ومن كان يتململ اتخذ قراره ومضى وبقيت هي وحدها، لا بشر هنالك كي تسألهم النجدة، المكان بالأعلى صلب ومغطى بالكامل بالأسمنت ولا سقف له يحميها، ولكنها لا تجد خيارات أخرى، فالرعب لا يجعلها قادرة على اعتلاء السور।"
..........................................................
يحرر جناحاه من عقالهما، ويتركها مع جذورها ويمضي، يخبرها أنه لن يأت لها بالمياه لترويها كما اعتاد، هو سوف يرحل للأبد وعليها أن تتدبر أمرها وحدها، تتخبط ولا تعرف كيف عليها أن تعتاد كل تلك القسوة، لم عليها أن تغزل له جناحاه من وريقات شجرتها ثم يستخدمهما في الرحيل، وكيف صدق أنه لم يعدها، وكيف صدقت هي ما كان।
......................................................
تصحو من نومها فزعة، تستغرق دقيقتين حتى تتأكد أنها فى الفراش، وأن هناك سقفاً يعلوها، تجول ببصرها فيما حولها فلا ترى أي أسوار عليها تسلقها، تضع يدها على قلبها الذي يخفق بعنف وتعاود النوم وتتجاهل أصوات الأجنحة التي تخفق بعيداً।
..........إنجي إبراهيم..........
ملحوظة : الأجزاء بين الأقواس، لقطات من حلم الأمس.
ملحوظة أخرى : أكروفوبيا هو الإسم العلمي لرهاب الأماكن المرتفعة وهو - باختصار مخل - رعب غير منطقي من الأماكن المرتفعة خشية السقوط فالموت।
ملحوظة أخيرة : أنا مصابة بالأكروفوبيا، وبشدة.