
تجلس ساهمة تفكر في المأزق الذي وضعتها فيه الحياة مؤخراً، تحاول إرغام نفسها على الرضا وتناقش احتمالات أن تكون الحياة أسوأ، تفكر فى ما إذا كان الله غاضب منها لذلك يحاول لفت نظرها بعقابات صغيرة علها تفيق।
........................................................
يجري بخفة ثم يترك نفسه للارتماء على رمال جديدة على المكان، هو يطوف بمناديله هنا منذ الأزل، لم يكن فى المكان سوى صخور عملاقة يجلس عليها العشاق مواجهة لبحر هائج، يغمس قدميه فى الرمال الجديدة ويفرد ذراعيه ويدور حاملاً فى ذراع حقيبة قماشية يضع فيها المناديل والعملات التي يجمعها، وفي اليد الأخرى عبوتين من المناديل كعينة مما يبيعه।
.......................................................
تتربع على أحد الصخرات العملاقة وتخبر نفسها أنها لازالت تملك الكثير، ولم ينقض الوقت تماماً لتشعر بكل هذا الضياع والضيق، لازال هناك فى حياتها ما يستحق الحياة من أجله، تنظر للأرض التي اكتست برمال جديدة لم تعهدها فى المكان من قبل وتتلفت حولها فى محاولة لإيجاد مكان منخفض يمكنها من الصعود مرة أخرى إذا ما قررت النزول لمكان الرمال الجديدة ولا تجد، فتقرر معاودة الشرود مرة أخرى।
.....................................................
يتوقف عن الدوران على الرمال ويقرر أن يستأنف نشاطه فى بيع المناديل، يعدل وضع الحقيبة القماشية ويسدد نظراته نحو الجالسين ليختار منهم زبون يتوسم فيه ألا ينهره بقسوة।
..................................................
- تاخدي مناديل؟
تنتبه على صوت صغير يناديها من على الرمال، ولد أسمر عيناه تقفز منهما شقاوة حلوة، رموش كثيفة على وجه ملىء بخرابيش قديمة تركت علامات داكنة، يمسك بعبوتين من المناديل المعطرة وفى اليد الأخرى حقيبة قماشية بها باقي بضاعته القليلة، تعدل من جلستها وتضع يدها فى جيبها فى محاولة للوصول لعملتين من فئة الجنيه وتقرر ن تعطيه الجنيهين مقابل عبوة واحدة من المناديل، يناولها حقيبته القماشية وعبوتين المناديل ريثما تنتهي من إخراج العملتين وينحني على الأرض ليبحث عن شيء ما بين الرمال الجديد
- بص، إنت بتعمل ايه، تعالى خد।
- إستني بس هجيبلك حاجة ليكي انتي بس، هتعجبك، بس خلي المناديل معاكي।
يلتقط مجموعة من القواقع الدقيقة جداً، وينظر لها بعينيه الشقيتان الكحيلتان ويعاود البحث مرة أخرى، يتقلب على الرمال باستمتاع حقيقي ويصرخ صرخات طفولية، يتابع البحث عن المزيد من القواقع وتتابع هي البحث عن المزيد من العملات المعدنية
- إنزلي
- مش هعرف أطلع تاني
- إنزلى بس أنا هطلعك
- والله ما هعرف اطلع تاني بس وريني عايز توريني إيه
- طب افتحي إيدك ونزليها تحت عشان اطولك
يضع فى يديها كل القواقع التي جمعها من أجلها، عدد صغير من القواقع الدقيقة جميلة الشكل، وفي كل مرة يضع فيها قوقعة ينظر لها بعينيه كثيفة الرموش ليرى وقع القوقعة الجديدة فى نفسها، تهتف هي مع كل قوقعة أنها جميلة جداً وأحلى من التي سبقتها، يتابع وضع باقي القواقع ثم يتسلق الصخرة ويجلس بجانبها
- أنتي شايفة أنهي واحدة أحلى؟
- دي، اللي لونها برتقالي
- أنا بيتهىء لي دي، اللي لونها بني، إنتي إيه رأيك؟
- آه، حلوة أوي هي كمان، إنت اسمك إيه؟
- كريم
- طب خد يا كريم
يأخذ العملات من يدها ويعدهم مرة، وتعيد له عبوتين المناديل اللتين كانت قد قررت أن تشتريهم، يأخذهم منها ويعد العملات مرة أخرى ليجدهم ستة جنيهات معدنية.
- هاتي ودنك
- إيه؟
- لو إديتيني كمان أربعة جنيه وكملتيهم عشرة، هآخدهم وأروح
- بجد هتروح؟
- آه
- إحلف
- وربنا
تكمل له الجنيهات للعشرة، يعطيها ثلاثة عبوات من المناديل ويخبرها أنهم لها هي فقط، يقوم من مجلسه بجوارها، يأخذ رأسها بيده الصغيرة، يطبع قبلة على جبهتها ويمضي।
.........إنجي إبراهيم...........
الصورة المصاحبة للقواقع التي جمعها لي كريم