الأحد، 22 أبريل 2012

مساحات بيضاء آمنة

"تجفف جسدها بالفوطة البيضاء الكبيرة"


 طفلة تعدت العاشرة بالكاد، تدخل المحل وهي تتبختر بالصندل الجديد، تتباهى أنه يدق في الأرض الرخامية لأنه بكعب. تشب حتى تصل للبائع الواقف خلف الكاونتر، تخبره أنها تريد زجاجة زيت كبيرة الحجم، يبتسم لها، يدور حول الكاونتر ويخبرها أنه سوف يحضر زجاجة جميلة لأنها جميلة، يناولها الزجاجة ويبتسم، تستدير ويمد يده يتلمس جسدها من الخلف، تنظر له بفزع، يبتسم ويشير لها بعلامة لا تفهمها.


 "تجفف جسدها بالفوطة البيضاء الكبيرة، تخرج من الحمام وتستعد لفرد الملاءة البيضاء على سريرها الضيق"


 مراهقة تخطت الخامسة عشر قليلاً، تحتضن الكتب في طريقها لدرس اللغة العربية، تمد يديها كثيراً لطرف بلوزتها لتشدها حتى لا تكشف جسدها من الخلف، تفكر في "مستر أيمن" ذو النطق العربي الساحر، تفكر أنه كبير جداً ومتزوج، تفكر في أنها تتعذب في حبه وحدها، تفكر أنها أنهت واجبها المنزلي كله حتى تبهره، تفكر في أنها صمدت اليوم في حمام المدرسة حتى انتهت مريم من عمل "الفتلة" حتى يختفي الشارب من فوق شفتها العليا، تفكر أنها لابد أن تتذكر أن تزيل الماكياج قبل أن تعود للمنزل.


 تصل قبل باقي زميلاتها، تجلس أمام "مستر أيمن" ويسألها عن الواجب، تعطي له الدفتر فيتصفحه ويخبرها أنها طالبته المفضلة، يقترب منها ويبتسم، يضع يده على كتفها ويسألها عن معنى كلمة " نهد "، تنظر له بفزع فيشير لها إشارة لا تفهم معناها.


 " تجفف جسدها بالفوطة البيضاء الكبيرة، تخرج من الحمام وتستعد لفرد الملاءة البيضاء على فراشها الضيق، تجلس على الفراش وتمدد قدميها"


 شابة تخطت الثلاثة وعشرون عاماً بقليل، تستقل نفس القطار يومياً لتصل لعملها البعيد، لا تجد مكاناً كالعادة فتقف بجوار الباب، يقترب القطار من المحطة ويقترب الركاب بدورهم من الباب، يتوقف القطار ويبدأ الناس في النزول، يقترب أحدهم من الباب وحتك بها قائلاً شيئاً ما همساً عن الليالي الحمراء ويضع يده على جسدها، تنظر له بفزع ويبتعد هو ناحية الباب ويشير لها إشارة لا تفهم معناها.


تجفف جسدها بالفوطة البيضاء الكبيرة، تخرج من الحمام وتستعد لفرد الملاءة البيضاء على فراشها الضيق، تجلس على الفراش وتمدد قدميها، وتفكر أن هذا هو المكان الوحيد الآمن.


 .........إنجي إبراهيم............


 النص مشاركة ضمن يوم التدوين ضد التحرش الجنسي.

هناك 4 تعليقات:

إيناس حليم يقول...

النص رائع يا انجي

P A S H A يقول...

صادم لكنه جميــل جداً

غير معرف يقول...

مؤلمة لكن واقعية و مهذبة .. على عكس معظم المقالات اللتى تتناول هذه المواضيع الحساسة
تحياتى إنجى

دائماً رائئعة و متألقة :)

Foxology يقول...

جميلة جدا التدوينة يا انجى .. التلميح فيها مؤثر جداً فى توصيل المعنى

تحياتى