السبت، 29 أكتوبر 2011

موعد يومي للهروب


خطوتها سريعة وواسعة، تمشي وهي ناظرة للأرض حياءاً، حجابها طويل ولا ترتدي سوى جونلات واسعة، تتلمس إطار عويناتها طوال الوقت، تقطع المسافات كلها دون أن تفكر في الوقوف لأي هدف.

هي شابة، موظفة في مجلس المدينة، تقريباً لا تفعل شيئاً ذو قيمة، تخرجت في كلية مرموقة ولم تجد عملاً حكومياً سوى هذا، يتمسك أهلها بقطار الميري وقد أجبروها أن تتمرغ في ترابه. رضيت كما رضت من قبل أن ترتدي الحجاب كي لا تفترسها الكلاب الضالة، وكما رضيت أن تسيج حياتها حتى لا تقترب منها صديقات السوء، وكما رضيت بملابسها التي تجعلها غير مرئية كي لا "يطمع" فيها أحد الذئاب البشرية الذين يتجولون بحرية تامة.

حياتها مقسمة بين العمل والمنزل، تقرأ كثيراً جداً، تقريباً لا تتحدث مع أحد، دائماً ما تشارك في الحديث بعيون زجاجية تنظر من خلال الجالسين معها ولا تنظر لهم.

تعيش اليوم كله بانتظار اللحظة المرتقبة، اللحظة التي تغلق عليها باب غرفتها ليلاً.
.............................................................

شعرها أحمر صارخ، شفاهها مطلية بلون مثير وأظافرها سوداء بالكامل مع لمعة فضية تخطف الأبصار، ثوبها ذو حمالات رفيعة وينحسر عن ركبتيها بإصرار، ضحكتها مجلجلة ونظراتها تدعوك بمنتهى الوقاحة أن تقتحم مساحتها الشخصية.

لا يهم من أين جاءت، المهم أنها دائماً هنا، ترقص وتحادث أحدهم، ربما تضع يدها بدلال على رقبته وهي تحادثه، تجذب ياقة قميصه وتهمس في أذنه بكلمات يجذبها بعدها ويبتعدون عن الحشد.

.............................................................

ربما يكون إسمها هدى أو فاطمة، ليس هذا السمت الهادىء سوى أن يحمل إسماً وديعاً مثله. تجلس على طاولة الغداء بينما يخبرهم أخوها أن أحد زملائه استأذنه أن يزوره زيارة عائلية، يشير لأمه من طرف خفي أن تحفزها، تخبرها أمها أن عليها أن تتزين وتقابل زميل أخاها، تومىء برأسها في صمت وتنهي غدائها سريعاً وتدخل غرفتها.
.............................................................

ربما يكون إسمها فرانشيسكا، لابد لكل تلك الثورة والجنون أن يحملوا إسماً يصفع أذنك فتنتبه، يتودد أحدهم إليها ويضع يده على ركبتها، تضحك وتلتقط كأساً ترتشف منه ببطء وهي تنظر في عينيه مباشرة، تزحف يده إلى ما أعلى ركبتها قليلاً، تضحك بشراسة وتجرع ما بكأسها دفعة واحدة وتجذبه من يده ويغيبان عن الحشد.

............................................................

يجلس زميل أخاها في صالون بيتهم، يتكلم ويتكلم ويتكلم، يتحدث أنه سوف يأتيها بدبلة ومحبس، وسوف يشتري لها غرفة نوم جديدة ويعيد طلاء شقة أبويه، يخبرهم أن والدته سيدة عجوز ولن تزعجهم وأنها تحتاج للخدمة، يخبرهم أنه سوف يلبي لها كل طلباتها "هيشيلها على كفوف الراحة".

تتسع ابتسامات أهلها كثيراً بينما تتسائل هي، هل عندما يتزوجها سوف تشاركه نفس الغرفة؟؟ ألن تحظى بفرصة أن تختلي بنفسها في نهاية كل يوم كما تفعل؟؟

تفيق على "زغدات" أمها لها وتفهم أنها لابد أن تبتسم، يثني عى حيائها كونها لم ترفع عيناها ناحيته طوال الجلسة، طالت السهرة واقترب موعد نومها جداً، استأذنت وسط ذهول أهلها ودخلت غرفتها وأوصدت الباب.

.....................................................

تسأل البارمان أن يصب لها كأساً أخرى، تجول بعينيها وسط الحاضرين وتشعر بأحدهم يحاوط خصرها بيديه، تلتفت وتطلق ضحكة مائعة مازحة، ثم تقترب منه أكثر، اليوم ترتدي ثوب فاضح حتى بالنسبة لملابسها المعتادة، كلماتها لرفيق الجلسة غير واضحة لأن الموسيقى عالية جداً، يخرج لها ورقة من فئة المئة جنيه ويكتب لها عليها عنوانه، تأخذها منه وتعطيه قبلة طويلة في المقابل وترحل.
....................................................

لابد للخطبة أن تكون "على الضيق"، فلا هو يستطيع تحمل تكلفة حفل ضخم ولا أهلها يستطيعون، تجلس في صالون بيتهم بجواره وتحاول جاهدة أن تتذكر إسمه، يقترب المهنئون وتنطلق الزغاريد، يلتقط أخاها العديد من الصور بكاميرا هاتفه المحمول.

تنظر أمامها راسمة ابتسامة هادئة على شفتيها تعتصر ذهنها في محاولة تذكر إسمه ولا تفلح، يقوم هو ليخرج للشرفة ويترك "الحريم" ليستجوبوا والدتها حول ملابسات الخطبة ولكي يشبعوا مدحاً في ثوبها و"لفة الطرحة" وكي يقيموا ثمن الدبلة والمحبس.

تستأذنهم وتقوم وسط ذهولهم الشديد، تدخل غرفتها وتغلق عليها باب الغرفة.

....................................................

يدخل أخوها الغرفة ليجدها تخفي أوراقاً تحت مرتبة السرير، يستجوبها ويظن أنها تخفي خطابات غرامية كتبتها لأحدهم وتود التخلص منها، يعلو صوته ويجذب ذراعها بعنف، تقاومه وللمرة الأولى تجرؤ على الصراخ بوجهه، يزداد إصراره على معرفة فحوى الأوراق وتدخل أمهم مولولة ناعية الفضيحة التي هم بصددها.

يأخذ منها الأوراق عنوة ويفتش فيهم جميعاً فلايجد سوى رسومات متقنة، تنهرهم أمهم وتجذبها من يدها لتخرج بها للمدعوين.

تخرج معهم وتلقي نظرة على أرضية الغرفة التي امتلأت بمشاهد لحياة فرانشيسكا وتتعلق عيناها بآخر صورة، وتعرف أن فرانشيسكا لن تتمكن أبداً من الذهاب للعنوان المكتوب على المائة جنيه.


.........إنجي إبراهيم..........

هناك 6 تعليقات:

Ramy يقول...

ياااااااااااااه

كنت حاسس انه فى ربط بس انتى عملتيه بأتقان تام

قدرتى توصلى لمشاعر دفينة للغاية

بس عارفه هى دى النفس البشرية

يعنى كل واحد فينا ليه حياتين

مش لازم الحياة التانية مستهترة

...............

فكرتينى بفيلم بئر الحرمان لسعاد حسنى الله يرحمها

........

برافو

(:

Israà A. Youssuf يقول...

أنا من زمان وأنا نفسي اعبر أو أكتب عن حاجة بالمعنى ده, بس مكنتش عارفة إزاي..

إنجي أنا معرفكيش شخصيا, بس عايزة اطلب منك طلب: ممكن متبطليش كتابة مهما حصل؟ إنتي بجد أكتر واحدة بستمتع وأنا بقرالها, وبلاقي نفسي فيكي فيكل حرف بتكتبيه..

غير معرف يقول...

It is just brilliant

P A S H A يقول...

طب مش أنا كنت أولى بالتارالملم ده ؟؟
:))
تقاطع هايل وأسلوب سرد ولا أروع .. فوق البديعة يا إنجي بجد

EMA يقول...

لا فظيعة بجد

توهتيني جدا فى الاول لدرجة افتكرت ان كل سطرين من حكاية مختلفة و بهدين ربطت الحكايتين و فصلتهم ..و فى النهاية اكتشفت ان احدى القصتين واقع و الأخرى خيالات كتب !

بجد اسلوي رائع جدا و مختلف

تسلم ايديكي

تقبلي مروري اختى و متابعتي

مطبخ حواء يقول...

تسلم الايادي